الذي تبتلعه الأرض ـ أن يكون المراد به دم الحيض الذي ينصب فيها فتصرفه الرحم في غذاء الجنين ، وما تزداد هو الدم الذي تدفعه إلى خارج كدم النفاس والدم أو الحمرة التي تراها في أيام الحمل أحيانا (١).
وقد يستظهر القارئ ، من خلال الجو السياقي للآية ، أن التعبير وارد على سبيل الكناية في طبيعة أوضاع الحمل في رحم الأنثى ، مما قد يسقط ، فلا يبقى له أثر في الرحم ، كالماء الذي لا يبقى له أثر في الأرض ، فينقص لأنه لم يضف إلى الوجود شيئا ، أو أنه وجد ، ثم زال. أما ما يزداد فهو الذي يستقر ويبقى أو يتكاثر ، فليس الحديث عن شيء آخر تحمله الأنثى بل هو تفصيل له والله العالم.
(وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) حيث تضع الحكمة الإلهية للأشياء حدودا على مستوى الكم والنوع والشكل والجو الذي يحيط بها ، تبعا لحاجات النظام الكوني إلى بلوغ غايته في حركة الحياة ، فلا مجال للعبث أو للفوضى أن تبعد الأشياء عن الخضوع لقاعدة تحكمها ، أو لقانون يسيطر عليها. فقد جعل الله للكون قوانينه ونظمه التي تحدد للأشياء مسارها ، وللإنسان نظامه ، وهذا ما جعل العلماء ، في كل دراستهم للظواهر الكونية ، ينطلقون من قاعدة مسلمة وهي : أن لكل واحدة منها سرا خفيا ، ونظاما متقنا ، قد لا يدركه الباحث في البداية لغموضه ، ولكنه يصل إليه ، من قريب أو من بعيد ، عند ما يتحرك نحوه من موقع البحث والتحليل والتأمل.
(عالِمُ الْغَيْبِ) الذي لا يدركه الحس ، في الحاضر والمستقبل ، (وَالشَّهادَةِ) الذي يمثل الحضور الحسي للأشياء التي لا يمتنع فيها الإدراك البسيط بأدوات الإحساس ، (الْكَبِيرُ) الذي يصغر كل مخلوق أمام حجم عظمته ، ويتصاغر كل عظيم عنده ، (الْمُتَعالِ) الذي لا يبلغ أحد علو شأنه
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١١ ، ص : ٣٠٧.