ورفعة قدره ، فهو المتعالي على كل شيء من حقيقة موقع العلو الذاتي في وجوده. وهذا ما يجعلنا نقف أمام جلاله العظيم ، في خشوع العبد أمام سيده ، والمخلوق أمام خالقه ، لنشعر بأنه يحيط بكل شيء ، لدينا وفينا ومعنا وحولنا من كل ما خفي وما ظهر ، فلا يغيب عن علمه شيء ، ولا يقترب من علوه وعظمته شيء ، (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) لأن الإنسان هو الذي يختلف عنده حال الجهر وحال السر من خلال ارتباط وعيه للمسموعات بأدوات السمع عنده. أما الله الذي أحاط بسر الإنسان ، حتى عند ما يكون قوله فكرة في الذهن ، فإن الجهر والسر يتساويان في موقع علمه ، (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) يستتر بظلامه فلا يراه أحد (وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) بما يظهره نور النهار في ملامحه ومظاهر حركته ، لأن الظلام قد يحجب عن الإنسان معرفة ما في داخله ، ولكنه لا يحجب عن الله ذلك ، لأنه مطلع عليه بحضوره عنده ، لأن الأشياء كلها حاضرة لديه في كل مواقع علمه.
(لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) وتدخل الآية ضمن حديث الله عن تدبيره لحياة الإنسان عبر قواعد وضوابط وقوانين تحكمها في ثلاث نقاط :
١ ـ إن الله قد جعل للإنسان في حياته عوامل وعناصر تحيط به من كل جوانبه وتتعاقب على مدار الساعة بحيث يتبع بعضها بعضا بشكل متواصل ، وهذا ما عبر عنه بالمعقبات التي تتناوب في حياته ، فلا تتركه وحده ، (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) بما يمثله ذلك الأمر من أوضاع وأخطار تجرها إليه سنن الله المودعة في الكون ، مما قد يهدم حياته ، ويهزم استقراره ، إذا واجهها وحده ، دون ما وفره الله لصونه من عناصر الحماية والدفاع في نفسه وجسده ، بحيث لا يشعر الإنسان بالقلق والضياع أمام الكون الكبير المملوء بالأخطار والمهالك ، بل يشعر بالثقة الكبيرة ، لما ركّبه الله في داخله من أجهزة ، وهيأ له من أسباب ، وما أحاطه به من عناية ورعاية. فحسبه أنه يتحرك في أجواء الحفظ الشامل من قبل الله.