أصحابنا : فمنهم من قال هو مؤمن وحكم الإسلام له لازم وهو مطيع لله تعالى باعتقاده وسائر طاعاته وإن كان عاصيا بتركه النظر والاستدلال المؤدي إلى معرفة أدلة قواعد الدين. وإن مات على ذلك رجونا له الشفاعة وغفران معصية برحمة الله وإن عوقب على معصيته لم يكن عذابه مؤبدا وصارت عاقبة أمره الجنة بحمد الله ومنّه. هذا قول الشافعي ومالك والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأهل الظاهر وبه قال المتقدمون من متكلمي أهل الحديث كعبد الله بن سعيد (١) والحارث المحاسبي (٢) وعبد العزيز المكي (٣) والحسين بن الفضل البجلي (٤) وأبي عبد الله الكرابيسي وأبي العباس القلانسي وبه نقول. ومنهم من قال إن معتقد الحقّ قد خرج باعتقاده عن الكفر ، لأن الكفر واعتقاد الحق في التوحيد والنبوات ضدان لا يجتمعان ، غير أنه لا يستحق اسم المؤمن إلّا إذا عرف الحق في حدوث العالم وتوحيد صانعه وفي صحة النبوة ببعض أدلته سواء أحسن صاحبها العبارة عن الدلالة أو لم يحسنها. وهذا اختيار الأشعري وليس المعتقد للحق بالتقليد عنده مشركا ولا كافرا وإن لم يسمّه على الإطلاق مؤمنا وقياس أصله يقتضي جواز المغفرة له لأنه غير مشرك ولا كافر. واختلفت المعتزلة في هذا الباب : فمن زعم منهم أن المعارف ضرورية زعم أن معتقد الحق إذا اعتقده عن ضرورة ولم يخلطه بفسق فهو مؤمن ولو خلطه بفسق فهو فاسق وليس بمؤمن ولا كافر. وان اعتقده لا عن ضرورة فليس بمكلّف. واختلف الذين قالوا
__________________
(١) هو ابو سعيد الأشجّ عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي الحافظ صاحب التصانيف ، روى عن هشيم وعبد الله بن ادريس وخلف ، وكان ثقة حجة. قال ابو حاتم : هو امام اهل زمانه وقال محمد بن أحمد الشطوي ، ما رأيت احفظ منه. توفي في ربيع الأول سنة سبع وخمسين ومائتين وقد جاوز التسعين.
(٢) مرت ترجمته.
(٣) هو عبد العزيز بن يحيى الكتاني المكي ، سمع من سفيان بن عيينة وناظر بشر المريسي في مجلس المأمون بمناظرة عجيبة غريبة فانقطع بشر وظن عبد العزيز ومناظرتهما مشهورة مسطورة ، وعبد العزيز هو صاحب كتاب الحيدة وهو معدود في أصحاب الشافعي توفي سنة أربعين ومائتين.
(٤) مرت ترجمته.