فقالت القدرية البصرية : إنها موافقة الإرادة وإن كل من فعل مراد غيره فقد أطاعه. وألزم الجبّائي على هذا كون الباري تعالى مطيعا لعبده إذا فعل مراده فالتزم ذلك وكفرته الأمة. وقال أصحابنا إن الطاعة موافقة الأمر فكل من امتثل أمر غيره صار مطيعا له. وسؤالنا ربّنا ليس بأمر ، فلذلك لم يكن مطيعا لنا وإن أجابنا فيما سألناه. وللعصيان في اللغة معنيان أحدهما : معنى الذنب والخروج عن الطاعة الواجبة. والثاني الامتناع عن الشيء. والمعصية نقيض الطاعة فكما إن الطاعة موافقة الأمر كذلك المعصية مخالفة الأمر وإن شئت قلت موافقة النهي.
المسألة الثالثة من هذا الأصل
في زيادة الإيمان ونقصانه
كل من قال : إن الطاعات كلها من الإيمان أثبت فيه الزيادة والنقصان. وكل من زعم : أن الإيمان هو الإقرار الفرد منع من الزيادة والنقصان فيه. وأما من قال إنه التصديق بالقلب فقد منعوا من النقصان فيه. واختلفوا في زيادته : فمنهم من منعها ومنهم من أجازها. ودليل الزيادة فيه قول الله تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً) (١) وقوله : «(وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) (٢) وقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) (٣) وقوله : (وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) (٤) وقال : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) (٥) وقال أيضا : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) (٦). ففي هذه الآيات السّتّ تصريح بأن الإيمان يزيد وإذا صحت الزيادة فيه كان الذي زاد إيمانه قبل الازدياد أنقص إيمانا منه في حال الازدياد.
__________________
(١) سورة آل عمران آية ١٧٣.
(٢) سورة الانفال آية ٢.
(٣) سورة التوبة آية ١٢٤.
(٤) سورة الأحزاب آية ٢٢.
(٥) سورة الفتح آية ٤.
(٦) سورة المدثر آية ٣١.