يكن إيمانا. وقال الباقون من أصحاب الحديث : إن الإيمان جميع الطاعات فرضها ونفلها. وهو على ثلاثة أقسام : قسم منه يخرج [صاحبه] به من الكفر ويتخلص به من الخلود في النار إن مات عليه. وهو معرفته بالله تعالى وبكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره من الله مع إثبات الصفات الأزلية لله تعالى ونفي التشبيه والتعطيل عنه ومع إجازة رؤيته واعتقاد سائر ما تواترت الأخبار الشرعية به. وقسم منه يوجب العدالة وزوال اسم الفسق عن صاحبه ويتخلص به من دخول النار وهو أداء الفرائض واجتناب الكبائر. وقسم منه [يوجب] كون صاحبه من السابقين الذين يدخلون الجنة بلا حساب وهو أداء الفرائض والنوافل مع اجتناب الذنوب كلها. وزعمت الجهمية أن الإيمان هو المعرفة وحدها. وروي عن أبي حنيفة إنه قال : الإيمان هو المعرفة والإقرار. وقالت النجارية : الإيمان ثلاثة أشياء : معرفة وإقرار وخضوع. وقالت القدرية والخوارج برجوع الإيمان إلى جميع الفرائض مع ترك الكبائر وافترقوا في صاحب الكبيرة : فقالت القدرية إنه فاسق لا مؤمن ولا كافر بل هو في منزلة بين المنزلتين. وقالت الخوارج كل من ارتكب ذنبا فهو كافر. ثم افترقوا بينهم : فزعمت الأزارقة منهم إنه كافر مشرك بالله. وقالت النجدات منهم إنه كافر بنعمة وليس بمشرك. وزعمت الكرّامية : أن الإيمان إقرار فرد وهو قول الخلائق ، بلى ، في الذر الأول حين قال الله تعالى لهم : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (١). وزعموا أن ذلك القول باق في كل من قاله مع سكوته وخرسه إلى القيامة لا يبطل عنه إلا بالردة. فإذا ارتد ثم أقرّ ثانيا كان إقراره الأول بعد الردة إيمانا وزعموا أن تكرير الإقرار ليس بإيمان. وزعموا أن المنافقين كإيمان الأنبياء والملائكة وسائر المؤمنين. وزعموا أيضا أن المنافقين مؤمنون حقا وأجازوا أن يكون مؤمن حقا مخلدا في النار كعبد الله بن أبيّ (٢) رئيس المنافقين وأن يكون
__________________
ـ صاحب فنون وتعبد قيل إنه كان يصلي في اليوم والليلة ستمائة ركعة وعاش مائة وأربع سنين وروى عن يزيد بن هارون والكبار توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين للهجرة.
(١) سورة الأعراف آية ١٧١.
(٢) هو عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين وهو القائل : لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الاعز منها الأذل ، فلما رجعوا من غزوة تبوك منعه ابنه عبد الله المفلح الصالح من دخول ـ