المسألة الأولى من هذا الأصل
في بيان حقيقة الإيمان والكفر
أصل الإيمان في اللغة : التصديق ، يقال منه آمنت به وآمنت له إذا صدقته ومنه قوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) (١) ، أي بمصدّق. فالمؤمن بالله هو المصدّق لله في خبره وكذلك المؤمن بالنبي مصدق له في خبره. والله مؤمن لأنه يصدق وعده بالتحقيق. وقد يكون المؤمن في اللغة مأخوذا من الأمان والله مؤمن أولياءه من العذاب. وفي معنى المسلم في اللغة قولان.
أحدهما : إنه المخلص لله العبادة من قولهم قد سلم هذا الشيء لفلان إذا خلص له.
والثاني : المسلم بمعنى المستسلم لأمر الله تعالى كقوله : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) أي استسلمت لأمره. ومعنى الكفر في اللغة الستر وإنما سمّي جاحد ربّه والمشرك به كافرين ، لأنهما سترا على أنفسهما نعم الله تعالى عليهما وسترا طريق معرفته على الأغمار. والعرب تقول : كفرت المتاع في الوعاء أي سترته [فيه]. وسمّي الليل كافرا لأنه يستر كل شيء بظلمته [قال الشاعر : في ليلة كفر النّجوم غمامها. ومنه سميت] الكفّارة لأنها تغطي الإثم وتستره وسمي الحراث كافرا لأنه يستر البذر في الأرض. فهذا أصل الإيمان والكفر في اللغة. فأما حقيقتهما على لسان أهل العلم فإن أصحابنا اختلفوا فيهما على ثلاثة مذاهب : فقال أبو الحسن الأشعري إن الإيمان هو التصديق لله ولرسله عليهمالسلام في أخبارهم ولا يكون هذا التصديق صحيحا إلا بمعرفته. والكفر عنده هو التكذيب ، وإلى هذا القول ذهب ابن الراوندي والحسين بن الفضل البجلي (٣). وكان عبد الله بن سعيد يقول : إن الإيمان هو الإقرار بالله عزوجل وبكتبه وبرسله إذا كان ذلك عن معرفة وتصديق بالقلب ، فإن خلا الإقرار عن المعرفة بصحته لم
__________________
(١) سورة يوسف آية ١٦.
(٢) سورة البقرة آية ١٣١.
(٣) هو الحسين بن الفضل بن عمير البجلي الكوفي المفسر نزيل نيسابور كان آية في معان ـ