النظام أنه لا يقدر على ذلك وزعم أيضا أن طفلا لو وقف على شفير جهنم لم يكن الله عزوجل قادرا على إلقائه فيها وقدر غيره على إلقائه فيها. فوصف الإنسان بالقدرة على ما لم يصف الله بالقدرة عليه ولا على جنسه. وكفاه بهذا خزيا.
المسألة الثانية عشرة من هذا الأصل
في تعويض البهائم في الآخرة
قال أصحابنا : إن الآلام التي لحقت البهائم والأطفال والمجانين عدل من الله تعالى وليس واجبا [عليه] تعويضها على ما نالها في الدنيا من الآلام فإن أنعم الله عليها في الآخرة نعما كانت فضلا منه. وزعمت البراهمة والقدرية أن تعويض البهائم على ما نالها في الدنيا من الآلام واجب على الله في الآخرة ، وقالوا : إنما حسن منه إيلامها للعوض المضمون لها في الآخرة كالطبيب يؤلم المريض ليوصله بذلك الإيلام إلى نفع أعظم منه. فقلنا : لو كان إيلامه للبهائم إنما حسن منه لأجل العوض في الآخرة لوجب أن لا يحسن ذلك منه مع قدرته على إيصال أمثال تلك الأعواض إليهم من غير إيلام. والطبيب الذي ذكرتموه إنما حسن منه إيلام لا يقدر على نفع من آلمه إلّا به ولأنه كان حسن ذلك لأجل العوض الذي ذكروه لوجب أن يحسن منا إيلام غيرنا من غير استحقاق ، لأجل نفع نوصله إليه بعد الألم. فإن قالوا : إنما لا يحسن ذلك منا لأنا لا نعرف مقدار عوض كل ألم والله عالم به فحسن ذلك منه ، قيل : قد عرّفنا الله تعالى أعواض بعض الآلام كالقصاص والدية ومع ذلك لا يحسن من أحدنا أن يقطع يد من لا ذنب له ثم يقول : أردت إيصال عوض اليد إليك فخذ مني عوضه ؛ إن شئت القصاص وإن شئت الدية وضعفها. فإن قالوا إن ذلك بعض عوض القطع الأول ، قيل : إن يكن كذلك لزمكم على أصلكم تجوير البارئ تعالى بأن أوجب على الجاني أقل من حق المجني عليه. فإن قالوا إن الله متمّ له مقدار عوضه في الآخرة. قيل إن الذي يفعله الله من ذلك إذا لم يكن واجبا عليه كان فضلا منه ومن أصلكم أن التفضل لا ينوب عن الاستحقاق ولا يكون بمنزلته. فإن قالوا إنما حسن من الله إيلام من لا ذنب له