في الدنيا بعلتين إحداهما : العوض الذي ذكرناه والثانية : وقوع اعتبار معتبر به قيل أما علة العوض فقد نقضناها عليكم وأما الاعتبار فمنقلب عليكم. لأنه وإن اعتبر قوم بذلك اعتبار خير ، فقد اعتبر به قوم فصاروا من اعتبارهم بذلك إلى قول الدهرية أو إلى قول التناسخ. وذلك أنّ الدهرية قالت في اعتلالها لو كان للعالم صانع حكيم لما آلم من لا ذنب له. وقال أهل التناسخ : لمّا رأينا الله عزوجل يؤلم الأطفال بالأمراض وبالصاعقة ويؤلم البهائم التي لا ذنب لها ولم يجز أن يكون ظالما لها بالإسلام علمنا أن أرواح البهائم والأطفال كانت قبل هذا الدور في قوالب قد أساءت فيها فعوقبت في هذه القوالب بهذه الآلام ، فإن وجب ذلك لاعتبار حسن وجب تركه لاعتبار قبيح به. وإذا بطل هذا كله وضح أن الإيلام من الله ليس للعلة التي ذكروها وإنما هي لأنه متصرف في ملكه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
المسألة الثالثة عشرة من هذا الأصل
في بيان أجل الوعيد
اختلفوا في هذه المسألة فقال أصحابنا : إن تأبيد العذاب إنما يكون لمن مات على الكفر أو على البدعة التي يكفر بها صاحبها كالقدرية والخوارج وغلاة الروافض ومن جرى مجراهم. فأما أصحاب الذنوب من المسلمين إذا ماتوا قبل التوبة فمنهم من يغفر الله عزوجل له قبل تعذيب أهل العذاب. ومنهم من يعذّبه في النار مدة ثم يغفر له ويردّه إلى الجنة برحمته. وزعمت الخوارج أن مخالفيهم كفرة مخلدون في النار. وقالوا في أصحاب الذنوب من موافقيهم إنهم قد كفروا واستحقوا الخلود في النار. وزعمت القدرية أن مخالفيهم كفرة وأنّ أهل الذنوب من موافقيهم يخلدون في النار ، إلا ابن شبيب والخالدي منهم ، فإنهما أجازا المغفرة لأهل الكبائر من موافقيهم. وقال أصحابنا : إن أصحاب الوعيد من الخوارج والقدرية يخلدون في النار لا محالة. وكيف يغفر الله تعالى لمن يقول ليس لله أن يغفر له ويزعم أن عفو الله عن صاحب الكبيرة سفه وخروج عن الحكمة. وقال أصحابنا : إن الناس في الآخرة ثلاثة أصناف : سابقون مقرّبون ،