المسألة الثالثة من هذا الأصل
في جواز إعادة ما يفنى
أجمع المسلمون وأهل الكتاب والبراهمة على إعادة الخلق وجوازها بعد الفناء في الجملة وان اختلفوا في التفصيل. وخالفهم في هذه الجملة فرق : إحداها : الدهرية المنكرة لحدوث العالم. والثانية : قوم من الفلاسفة أقروا بحدوث العالم وأنكروا الإعادة بعد العدم. والثالثة : فرقة من عبدة الأصنام الذين كانوا في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم أقروا بحدوث العالم وأنكروا البعث والقيامة والجنة والنار : وقالوا (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (١). والرابعة : فرقة من غلاة الروافض المنصورية والجناحية الذين أنكروا القيامة [والجنة والنار] وأسقطوا فروض العبادات وقالوا إن الفرائض والشريعة كناية عن الأئمة الذين أمرنا باتباعهم وموالاتهم من أهل البيت وأباحوا المحرمات كلها وزعموا أن المحرمات المذكورة في القرآن كناية عن قوم أمرنا ببغضهم من النواصب كأبي بكر وعمر. وهؤلاء اتباع منصور العجلي واتباع عبيد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر. وقد مضى الكلام على منكري حدوث العالم بما فيه كفاية. وأما الكلام على من أقر بالحدوث وأنكر الإعادة فوجه الاستدلال عليه أن يقاس الإعادة على الابتداء فإن القادر على إيجاد الشيء عن العدم ابتداء ، بأن يكون قادرا على إعادته ، أولى إذا لم يلحقه عجز. وفي هذه الطائفة أنزل الله : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ. قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) (٢).
المسألة الرابعة من هذا الأصل
في نفس ما يصح إعادته
قال شيخنا أبو الحسن الأشعري رحمهالله : كل ما عدم بعد وجوده صحت إعادته جسما كان أو عرضا. وقال القلانسي من أصحابنا : يصح إعادة الأجسام ولا
__________________
(١) سورة الجاثية آية ٢٤.
(٢) سورة يس آية ٧٨ / ٧٩.