القلانسي رحمهالله : إنما يفني الله الجوهر بفناء يخلقه فيه فيفنى الجوهر في الحال الثانية من حال حدوث الفناء فيه. وقال قاضينا أبو بكر محمد بن الطيب الأشعري [الباقلاني] إنما يكون فناء الجوهر بقطع الأكوان عنه ؛ فإذا لم يخلق الله في الجوهر كونا ولونا فني وكان لا يثبت البقاء معنى غير الباقي. فهذا قول أصحابنا. واختلفت القدرية فيه : فزعم معمر أن خلق الشيء غيره وكذلك بقاؤه وفناؤه غيره. وزعم أن للبقاء بقاء ولكل بقاء بقاء لا إلى نهاية وكذلك لكل فناء فناء لا إلى نهاية وأحال أن يفني الحوادث كلها. وزعم محمد بن شبيب أن الفناء عرض غير الفاني وأنه يحلّ في الجسم فيفنى الجسم به في الثاني من حال حلوله فيه. وهذا مثل قول القلانسي غير أن القلانسي أثبت بقاء الجسم معنى غير الجسم وزعم ابن شبيب أن البقاء ليس غير الباقي. وذهب الكعبي منهم إلى مثل شيخنا أبي الحسن فأثبت البقاء معنى ولم يثبت الفناء معنى وقال بأن الأعراض لا تبقى وأن الجسم يفنى إذا لم يخلق الله فيه البقاء. وزعم الجبّائي وابنه [وأكثر القدرية] أن الله تعالى إذا أراد فناء الأجسام خلق فناء لها لا في محل وكان ذلك الفناء عرضا ضدا للاجسام كلها فيفني به جميع الأجسام. وأحالا فناء بعض الأجسام مع بقاء بعض منها. وفي هذا القول مخالفة لقواعد دين الإسلام من وجوه : منها أن إجازة وجود عرض لا في محل يؤدي إلى إجازة وجود كل عرض لا في محل وذلك يمنع تعاقبها على الأجسام وفي هذا إبطال دلالة الموحدين على حدوث الأجسام. ومنها أنّه يوجب أن يكون الله عزوجل قادرا على إفناء جميع الأجسام ولا يكون قادرا على إفناء بعضها. ومنها إحالة بقاء الإله منفردا كما لم يزل منفردا لأن الأجسام إذا لم تفن إلا بضدّ وضدّها أيضا لا يفنى إلا بضد آخر فلا يخلو الباري عن حادث يكون ضدا لما فني به قبله [من الأعراض فيتسلسل إلى ما لا نهاية] وهذا يوجب استحالة تعريه في الأزل عن تلك الأضداد والحوادث كما ألزمنا الدهرية إذا أقروا بأن الأجسام لا تخلوا عن الأكوان المتضادة وإنها لم تخل منها فيما مضى ووجب أنّها محدثة لأنها لم تسبق الحوادث. وقد ألزم الجبائي وابنه مثل ذلك إذ أحالا أن يخلو الإله في المستقبل عن حوادث من الأجسام أو من الفناء الذي هو ضدها وكفاهما بذلك خزيا.