المسألة الأولى من هذا الأصل
في إجازة فناء الحوادث
أجاز أصحابنا وأكثر الأمة فناء جميع العالم جملة وتفصيلا وقالوا إن الذي خلقها قادر على إفناء جميعها وقادر على إفناء بعضها. وهذا التجويز إنما هو في الأجسام فأما في الأعراض فكل عرض واجب عدمه في الثاني من حال حدوثه لاستحالة بقائه عندنا. وخالفنا في هذه الجملة فرق إحداها : الدهرية القائلة بقدم الأجسام فإنهم أحالوا عدمها كما أحالوا حدوثها. والفرقة الثانية : فرقة أخرى من الدهرية أحالوا عدم الأعراض كما أحالوا عدم الأجسام وزعموا أن الأعراض مجتمعة في الأجسام إذا ظهر بعضها في الجسم كمن فيه ضده. وقد بيّنا بطلان قول هاتين الفرقتين في أبواب حدوث العالم. والفرقة الثالثة : فرقة ضالة انتسبت إلى الإسلام وأقرت بحدوث الأجسام وأنكرت جواز عدمها وزعمت أنها لا تفنى وإنما تتغير من حال إلى حال باختلاف الأعراض عليها. وهذا قول حكاه ابن الراوندي عن الجاحظ وبه قال قوم من الكرّامية. وزعم أكثرهم أن الحوادث التي تحدث ، بزعمهم ، في القديم لا يجوز عدم شيء منها. وفي هذا تصريح بأن الله يحدث شيئا ولا يقدر على إفنائه. فقلنا كل ما صح حدوثه صح عدمه بعد حدوثه كالأعراض التي في الأجسام. فإن سألونا على هذا عن فناء الجنة والنار قلنا إن فناءهما جائز في العقل وإن قلنا بدوامهما من طريق الخبر والشرع.
المسألة الثانية من هذا الأصل
في كيفية فناء ما يفنى
أجمع أصحابنا على أن الأعراض لا يصح بقاؤها فإن كل عرض يجب عدمه في الثاني من حال حدوثه. واختلفوا في كيفية فناء الأجسام : فقال أبو الحسن الأشعري : إن الله يفني الجسم بأن لا يخلق فيه البقاء في الحال التي يريد أن يكون فانيا فيه. لأن الباقي عنده يكون باقيا ببقاء فإذا لم يخلق الله البقاء في الجسم فني. وإلى هذا القول ذهب ضرار بن عمرو. وقال شيخنا أبو العباس