معنى لا يحتمل غيره والمتشابه ما احتمل تأويلين أو أكثر واختلف أصحابنا في إدراك علم تأويل الآيات المتشابهة. فذهب الحارث المحاسبي وعبد الله بن سعيد وأبو العباس القلانسي إلى أن المتشابه هو الذي لا يعلم تأويله إلا الله. وقالوا منها حروف الهجاء في أوائل السور. وهذا قول مالك والشافعي وأكثر الأمة. ومن قال بهذا وقف على قوله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) (١) ، ثم ابتدأ من قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) (٢). وكان شيخنا أبو الحسن الأشعري يقول : لا بد من أن يكون في كل عصر من العلماء من يعلم تأويل ما تشابه من القرآن. وإليه ذهبت المعتزلة ووقفوا من الآية على قوله والراسخون في العلم والوقف الأول أصح عندنا وبه قال ابن عباس وابن مسعود وأبيّ بن كعب. وفي مصحف أبيّ : وما يعلم تأويله إلّا الله ويقول الرّاسخون في العلم آمنّا به. وكذلك روى عبد الرزاق عن معمر عن طاوس عن ابن عباس. وفي مصحف ابن مسعود : «ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وإن تأويله إلّا عند الله» ثم قال : «والراسخون في العلم ، برفع الراسخين دون كسره. وكل ذلك تأكيد للوقف الذي أخبرناه (٣) وهو أيضا اختيار أكثر النحويين كيحيى بن يعمر وأبي عبيدة والأصمعي وثعلب.
المسألة الثانية عشرة من هذا الأصل
في بيان المفهوم ودليل الخطاب
مفهوم الخطاب عبارة عما يدل عليه الخطاب ، من حكم ما لا يدخل في لفظه ، بموافقته [لكن يوافقه] في معناه كقول الله تعالى (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) (٤) ومفهومه أن ضربهما وشتمهما أولى بالتحريم. وكذلك قوله : (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) (٥) ، مفهومه أن تنصيف حد العبد
__________________
(١) سورة آل عمران آية ٧.
(٢) سورة آل عمران آية ٧.
(٣) [اخترناه].
(٤) سورة الإسراء آية ٢٣.
(٥) سورة النساء آية ٢٤.