العقل ليصح كونه عالما بأنه مأمور. ومن أحال من أصحابنا تكليف العاجز وتكليف المحالات قال يحتاج المأمور في حال تضييق الوجوب عليه إلى (١) كمال العقل وإلى أن يكون قادرا إما على الفعل وإما على تركه لكي يصح منه الطاعة بفعل المأمور به أو المعصية بتركه. ويجب على هذا القول أن يكون عالما بصفات ما أمر به وشروطه وفي حكم العالم بذلك من يصح منه النظر المؤدي إلى المعرفة. ويجب على هذا القول أن يكون الدليل منصوبا على ما كلف به. وقالت القدرية من شرطه أيضا أن يكون قادرا على المأمور به وعلى جنس ضده في حال ورود الأمر. ولم يوجبوا كونه قادرا عليه في حال وقوعه. وقال أصحابنا بوجوب كونه قادرا على ما أمر به في حال كونه فاعلا له. ولم يوجبوا كونه قادرا عليه قبل ذلك. وأوجبوا أيضا كون المأمور قادرا على فعل الإرادة للفعل المأمور به. وليس هذا من شرطه عندنا لأنه يجوز أن يخلق الله تعالى فيه إرادة ضرورية يريد بها فعل المأمور به.
المسألة السادسة من هذا الأصل
في بيان ما يصح ورود التكليف به
قال أصحابنا : جائز من الله تعالى أن يأمر بكل ما ورد أمره به ولو نهى عما أمر به جاز وكذلك لو أمر بما نهى عنه جاز. فإذا سئلوا على هذا الأصل هل كان جائزا أن ينهى عن الصلاة والزكاة والصيام قالوا لو نهى عن ذلك لم يكن نهيه عنه أعجب من نهي الحائض والنفساء عن الصلاة ونهي العباد عن الصيام في عيدي الفطر والنحر وفي الليل ولم يكن النهي عن الحج إلى الكعبة أعجب من النهي عن الحج إلى البيت الذي هو بمولتان ونحو ذلك. وإذا قيل لهم هل كان جائزا أمره بما قد نهى عنه من الكبائر. قالوا قد كان شرب الخمر مباحا في أول الإسلام ثم حرّمه. وكان نكاح الأخت مباحا في وقت آدم عليهالسلام لأنه زوج بناته من بنيه ثم حرّمه بعد ذلك. وإذا قيل لهم هل كان جائزا ورود الأمر بالكفر ، قالوا : إن أردتم بذلك النطق بكلمة الكفر أجزناه كما أباحها حال التقية والإكراه وإن أردتم الأمر باعتقاد الكفر لم يجز ذلك لتناقضه. وذلك أن من شرط المأمور معرفته بتوجه أمر
__________________
(١) [الى أربع شرائط : الى كمال العقل].