(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (١). ولو لم يقع ذلك لقال له أعداؤه متى كان هذا؟ وهذه معجزة سماوية وكانت معجزات من قبله أرضية. ومنها إشباع الخلق الكثير من الطعام اليسير في مواضع كثيرة. ومنها نبوع الماء من بين أصابعه لوضوء جيشه وذلك أعجب من خروج الماء من الحجر لموسى عليهالسلام. ومنها تسبيح الحصى في يده حتى سمع الحاضرون. ومنها حنين الجذع إليه حتى التزمه. ومنها مجيء الشجرة بأمره ورجوعها بأمره إلى مغرسها. ومنها القرآن وهو أفضل المعجزات من وجهين : أحدهما : بقاؤه بعد وفاته ومعجزات غيره لم تبق بعد وفاة أصحابها. والثاني : استنباط جميع أحكام الشريعة منه ولا يستنبط من معجزة غيره حكم الشريعة. والدليل على صحة معجزة القرآن أنه تحدى قومه بسورة مثله فلو عارضوه بها لكذبوه. فلما عدلوا عن المعارضة التي لو تمت لدلت على كذبه إلى قتاله الذي لو تم مرادهم فيه ، لم يدل على كذبه علمنا أنهم إنما عدلوا عما يدل على التكذيب إلى ما لا يدل عليه ، لعجزهم عما يكون دليلا على ذلك. ولو عارضوه لنقل ذلك لأن الذين لا يتواطئون على الكذب لا يتواطئون على كتمان ما قد علموه بالضرورة. ألا ترى أنه نقل ما عورض به مما لا يشبهه كقول مسيلمة : والطاحنات طحنا والخابزات خبزا ، في معارضة : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) (٢). وفي عدم المعارضة دلالة على صحة المعجزة.
المسألة الرابعة عشرة من هذا الأصل
في بيان وجه إعجاز القرآن
قال أصحابنا : الإعجاز في القرآن من وجوه : منها نظمه العجيب في البلاغة والفصاحة الخارجة عن العادة في نظم الخطب والشعر والمزدوج من الكلام ونحو ذلك. ومنها ما فيه من الأخبار عن غيوب سالفة وذلك عجيب إذا وردت ممن لم يعرف الكتب ولم يجالس أصحاب التواريخ. ومنها الأخبار عن غيوب كانت في المستقبل كما وقع في الخبر عنها على التفصيل لا على وجه تخمين الكهنة
__________________
(١) سورة القمر آية ١.
(٢) سورة العاديات آية ١.