لموسى بالماء فليس ذلك بأعجب من نبوع الماء من بين أصابع النبي صلىاللهعليهوسلم لوضوء جيشه. وليس مشي عيسى على الماء بأعجب من مشي النبي صلىاللهعليهوسلم في الهواء عند المعراج. وكذلك كل معجزة لغيره فله من جنسها ما هو أعجب منها. وقد خص بمعجزات سماوية كانشقاق القمر ورجم الشياطين بالنجوم وجعلت شريعته مستنبطة من كتابه. والكلام في استقصاء معجزاته يقتضي كتابا مفردا. وفيما ذكرناه منها تنبيه على ما أردناه من تفضيله.
المسألة الثالثة عشرة من هذا الأصل
في تفضيل الأنبياء على الملائكة
أجمع أصحاب الحديث على أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة إلا الحسن بن الفضل البجلي فإنه فضّل الملائكة عليهم. واختلفت القدرية في هذا الباب : فقال بعضهم إن الأنبياء أفضل من الملائكة الذين عصوا ربّهم كهاروت وماروت وإبليس وجعلوا إبليس من جملة الملائكة. وأما الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، فهم أفضل من الأنبياء. وقال أكثرهم : إن الملائكة أفضل من جميع الناس وزعموا أن هاروت وماروت كانا علجين من بابل وأن إبليس كان من الجن. وهؤلاء يقتضي قياسهم أن يكون زبانية النار أفضل من الأنبياء عليهمالسلام. وقد استدلوا بقوله تعالى : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (١). وهذا لا يقتضي تفضيلهم على عيسى عليهالسلام لأن مثل هذا الكلام قد يخبر به عن المتساويين فيقال : إنّ زيدا لا يرضى بكذا ولا عمرو. على أن الآية تقتضي أن لا يكون المسيح أفضل من جميع الملائكة وإن كان أفضل من كل واحد منهم كما لا يكون الواحد أعلم من جميع علماء الأرض وإن جاز أن يكون أعلم من كل واحد منهم.
__________________
(١) سورة النساء آية ١٧٢.