موقع الحسم في رفض كل الأفكار الإشراكيّة المضادّة .. فتبدأ هذه الآية في إثارة التساؤل : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) لتستثير الإيمان بالله الكامن في أعماقهم في ما يعيشونه من تعظيم لله ، وذلك لأن إشراكهم في الغالب ليس شركا عقيديا بل هو شرك عبادي باعتبار قرب هذه الآلهة من الله مما يجعلها تمنحهم القرب منه ، بحكم العلاقة الوثيقة بينها وبينه .. فإذا كانوا لا يريدون الوصول إلى القناعة من خلال الفكر ، فإن هناك طريقة أخرى لإثبات القناعة وهي الشهادة في ما يمكن أن يكون للحس طريق إليه ، ممن يملك إمكانيّة الاطلاع على الموضوع بشكل دقيق واسع.
ومن هو الشاهد الأكبر الذي يحيط بالأشياء كلها ، ويعرف كل أسرارها ودقائقها؟ ولا تنتظر الآية جوابا من هؤلاء ، بل تبادر إلى الجواب الذي يمثّل الحقيقة الكامنة في وعيهم : (قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) فهو الذي يمثّل في قوله الحقيقة المشرقة الواضحة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، وهو الذي أنزل هذا القرآن لينذركم ويحملكم المسؤولية في ما تعتقدون وما تعملون ، ويحمّلها للناس الآخرين الذين يبلغهم هذا القرآن من الأجيال القادمة ، فلا بد لهم من دراسة هذا القرآن فكرا وشريعة وأسلوب حياة ، ليعرف الإنسان منه معنى التوحيد وحركة النبوّة في الحياة. وهكذا يحاصرهم هذا الأسلوب ، ليحيط بهم من بين أيديهم ومن خلفهم ، لأنه يطرح أمامهم شهادة الله من خلال القرآن ، ليفكروا في ذلك كله.
* * *
القرآن منذر الإنسان
(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) أي : من بلغه القرآن في حركة الدعوة الموجهة إلى الإنسان كله في كل زمان ومكان ممن تنطلق الرسالة لتصل إليه بالطريقة التي يفهمها ، وبالوسائل التي تلتقي عند ظروفه ، وباللسان