الذي أبدعها بكل ما فيها من مخلوقات حيّة وجامدة ، فهو الغني عن كل شيء فيها ، إذ لا شيء في الوجود إلا خلقه؟! (وَهُوَ يُطْعِمُ) فمنه كل غذاء الإنسان والحياة والنبات والجماد ، (وَلا يُطْعَمُ) لأنه ليس جسما يحتاج إلى التغذية والتنمية ، بل هو الذي خلق الغذاء والنمو في داخل حركة الجسم.
وهكذا تتمثل الولاية من الله واقعا حيّا يعيشه الإنسان كهاجس في الشعور الداخلي ، وكطاعة في ممارسته لحركة الإيمان. وها هو يواجه الكون كله بالطاعة للأمر الإلهي بالإسلام لله بأن يكون أول من أسلم : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) وذلك هو مظهر العبودية الحقة ؛ أن لا يكون لك موقف أو كلام أو انتماء خارج نطاق أمر الله ونهيه ، بل أن يكون كيانك كله لله في استسلام خاضع خاشع حتى الانسحاق أمامه ، وإذا كان الحديث في الآية للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في ما يناجي به نفسه ، فإنه يمتد إلى كل موجود حيّ عاقل بأن يتمثل الموقف في إسلام الأمر لله في الفكر والشعور والحياة ، فلا ينتظر من الآخرين أن يسبقوه ، بل يحاول أن يكون هو الذي يتسلم زمام المبادرة لتسليمه بالحقيقة الواضحة التي تفرض نفسها عليه.
وينتقل الحديث من أسلوب الغيبة في الحديث عن الله إلى الخطاب ، ليتمثل الله بكل حضوره العظيم الضاغط على الكون ، وهو يحذّر الإنسان من الشرك الذي يرهق حسّ الصفاء الروحي للوحدانية في الفكر والشعور : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
* * *
الفوز المبين للطائعين المنيبين
ويتحرك خط الإيمان الوجل الخائف من موقع الإحساس بالعظمة الموحية ، إلى الشعور بالمسؤوليّة ، فلا بد من أن يسلم الإنسان أمره إلى الله في كل شيء ويطيعه في كل ما أمر وشرع ، لأن الانحراف عن ذلك يعرّض