وبهذا جاءت هذه الآية ، فقد كانوا أثاروا أمام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن ينزل عليهم كتابا من السماء. وتنطلق كلمات الآية لتكشف ما في داخلهم من عدم الجدّية في هذا الطلب لأنهم لا يعيشون مشكلة فقدان الحجة ، لتكون هذه الآية السماوية حجة عليهم ، بل يعيشون حالة انعدام الإرادة في الإيمان .. (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) ولذلك فلو أن الله أنزل إليهم كتابا فلمسوه بأيديهم (لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، فإن ردّ فعلهم لن يكون إلا أن يقولوا (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).
وأثاروا ـ في هذا الاتجاه ـ أن ينزل الله ملكا لأن البشر لا يصلح للرسالة وللوساطة بين الله وبين خلقه ، باعتبار أن الرسالة من الغيب الذي لا ينبغي أن يحمله إلا أهل الغيب ، (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) ولكن الله يقول إن الاستجابة لهذا الاقتراح ينهي المهلة التي يمهل الله بها خلقه ، فقد جرت سنة الله في الأمم التي تقدم بعض الاقتراحات للرسل ، ويستجيب الله لها ذلك ، أنها إذا رفضت الإيمان بالنبي وبالرسالة تواجه العذاب ، ثم يعقب الله على ذلك ، أنه إذا أرسل ملكا فلا بد من أن يكون في صورة البشر وفي ثيابهم ، لأن البشر لا يتحملون صورة الملك الحقيقيّة ، أو لأنَّ صفة الملك قد تبعد عن الرسول دور القدوة ، باعتبار أن قدرة الملك تفوق قدرة البشر : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ).
وإذا حصلت الاستجابة لطلبهم فأرسل الله ملكا في صورة بشر ، فسيختلط عليهم الأمر لأنهم سوف يتصورونه إنسانا لا ملكا ، وسوف يكذبونه انطلاقا من بشريته التي تتنافي مع رساليّته ـ في زعمهم ـ كما لو كان بشرا حقيقيا ، وسوف يكذبون دعواه في ملائكته لأنهم لا يتفاعلون مع فكرة تحوّل الملك إلى بشر ـ في الصورة ـ وبذلك يفقدون الوضوح لدى أنفسهم ، كما حاولوا أن يلبسوا على الناس الآخرين سلامة الفكرة في شخصية الرسول فأوقعوهم في الحيرة والتخليط عند ما أثاروا أمامهم أن البشرية تنافي الرسولية. ونقل المجمع عن الزجاج قوله : كانوا هم يلبسون على ضعفتهم