في أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيقولون إنما هذا بشر مثلكم فقال : لو أنزلنا ملكا فرأوا هم الملك رجلا لكان يلحقهم من اللبس مثل ما لحق صفتهم منهم ، أي : فإنما طلبوا حال لبس لا حال بيان وهذا احتجاج عليهم بأن الذي طلبوه لا يزيدهم بيانا ، بل يكون الأمر في ذلك على ما هم عليه من الحيرة.
وذكر في تفسير هذه الفقرة وجه آخر وهو أننا لو أنزلنا ملكا لما عرفوه إلا بالتفكر ، ولكنهم لا يفكرون فيبقون في اللبس ، وقد نسب الله ذلك إلى نفسه لإنزاله الملائكة الذين هم السبب في إثارة اللبس ، والله العالم.
وفي الآية إشارة إلى أن هؤلاء الناس يعيشون تحت تأثير اللبس لا الوضوح في مواجهة القضايا ، فقد كانوا يلبسون على الناس البسطاء من حولهم باستغلال ضعفهم الفكريّ لإقناعهم بما يريدون من الباطل ، وهذا ما نلاحظه في أسلوب فرعون في حديثه عن نفسه وعن موسى عليهالسلام من قوله : (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ* فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ* فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ) [الزخرف : ٥١ ـ ٥٤] وربما لبسوا على أنفسهم فخلطوا الأمر عليها ، وذلك لتصورهم الأمور على غير حقيقتها بإبراز الحق في صورة الباطل ، أو الباطل في صورة الحق ، فيبتعدون بالفطرة عن مسارها الصحيح فيخضعون للأوهام والتخييلات التي تصنع حاجزا بين الفطرة وبين حركة الإنسان في الوصول إلى النتائج الإيجابية الطيبة.
ويحسم القرآن في الآية الأخيرة الموقف ، فليس الأسلوب الذي يواجه النبيّ به أساليب سخرية الكافرين جديدا في ساحة الرسالات ، بل هو الأسلوب المتكرر مع كل رسالة ، ومع كل رسول : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)
وفي هذا السياق يندرج سؤال المعاندين للحقيقة ـ حسب الآية ـ النبي أن ينزل عليهم كتابا في قرطاس ليلمسوه بأيديهم ، حيث إن هذا الطلب لا معنى له ، لأنهم لا يملكون معرفة الكتاب النازل من السماء أو الكتاب الذي يكتب في الأرض ليميزوا هذا عن ذاك .. ثم إن الآية تؤكد أن اقتراحهم ليس