مقاييسه الدقيقة للأشياء ، التي لا تدخل في حسابات الحجم الجسدي أو المادي أو المعنوي ، في ما تعنيه معنويات الدنيا .. وتلك هي موازين الطاعة لله في ما أمر به أو نهى عنه ، والشكر له في ما أنعم وأعطى .. فمن أخذ بها كان قريبا إليه وإن ابتعدت به الدنيا عن زخارفها وأمورها ، ومن أعرض عنها ، كان بعيدا عنه ، وإن أحاطت به الشهوات والأطماع من كل جانب ومكان .. وليس هناك من يعرف الناس ، كما يعرفهم الله ، فهو الذي خلقهم وأحاط بسرّهم وعلانيتهم ، وهو الذي يعرف من يشكر النعمة فيستحق المغفرة والرضوان ، ومن يكفر بالنعمة فيستحق العقاب والخذلان. فكيف تتدخَّلون في الحكم على ما لم تحيطوا بعلمه ، لتميّزوا بين من ينبغي لله أن يمنَّ عليه وبين من لا ينبغي له أن يمنحه المنّ والرحمة ... لتنكروا هنا ، ولتستجيبوا هناك؟! ويتركهم الله في ضلالتهم ، ويلتفت إلى نبيّه فيوحي إليه بالعمل على تكريمهم وإحاطتهم بكل ألوان الرعاية والمحبة والرحمة.
* * *
كتب ربكم على نفسه الرحمة
(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) ممن استجابوا لدعوة الله في رسالتك واتبعوك فبادلهم حبا بحب ، واحتراما باحترام (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) في تحية إسلامية مليئة بالحنان والمحبة والقرب والاحتضان الروحي والإيحاء بمعنى السلام الذي يعيشه المؤمن في علاقته بالمؤمن ونظرته إليه ، ليشعروا بالأمن معك ، على كرامتهم وعلى أنفسهم ، فلا تستسلم للوضع الطبقي الذي يحتقر أمثالهم لتطردهم وتستهين بهم لتحترم المستكبرين ، وحدثهم عن الله سبحانه وعن رحمته بعباده المؤمنين فقد (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) في هدايته وعفوه ومغفرته.