ما عليك من حسابهم من شيء
(ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فليست لك علاقة بهم في واقع المسؤولية العملية ، في ما خصّ علاقتهم بالله ، فلست أنت الذي تحاسبهم على أعمالهم ، كما أنهم ليسوا مسئولين عن أعمالك ولا يحاسبون عليها ، فهم أشخاص مستقلون في وجودهم وفي مسئوليتهم ، فالله هو الذي يملك الحساب كله ، ودورك معهم دور الرسول المبلغ للرسالة ، وتنتهي مهمتك الرسالية عند هذا الحد ليواجهوا استقلالهم وحريتهم في مسئولياتهم العملية ولذلك فلا سلطة لهم عليك من خلال ذلك (فَتَطْرُدَهُمْ) لأن الطرد يملكه الذي يملك السيطرة على الناس ، وإذا كان الله جعل لك الولاية على الناس في مواقع نبوتك وحاكميتك ، فلم يجعلها الله لك لطرد المؤمنين عن مجلسك فإن هذا لا يتناسب مع موقعك الرسالي ، ولا يتناسب مع قربهم من الله ومحبته لهم (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ).
ثم تتتابع الآيات لتحدثنا عن وجود شيء من هذا القبيل في نظرة المستكبرين إلى المؤمنين المستضعفين ، حيث يتطلّعون إليهم من فوق ليتساءلوا بازدراء وتهكّم : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) في عملية اختبار وامتحان لإظهار ما في أعماقهم من مشاعر الكبرياء وأفكار الشرّ في النظرة السلبية للمستضعفين المؤمنين ، (لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) ما ذا يمثّلون من قيمة ومنزلة وجاه ليكونوا موضع اختيار الله ورعايته لهم .. فكأنّهم يفرضون على الله طريقتهم في التقييم ، وأسلوبهم في تقدير الأشياء ، لأنهم لا يفهمون للقضايا مقياسا غير ما يحملونه من مقاييس ، فلا يمكن للفقير أو للضعيف أن يحصل على أيّة امتيازات إلهيّة إلا من خلال ما يمنحهم البشر من امتيازات.
ولكنَّ الله ينكر عليهم ذلك ليتساءل : (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) فلله