(أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ) فعصى ربه وخالف أمره ونهيه (ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ) من دون وعي لما ينبغي له أن يفعله مما يتناسب مع موقعه العبودي أمام ربه (وَأَصْلَحَ) وانتبه للواقع السيّئ الذي وضع نفسه فيه ، واستيقظت الندامة في عقله وروحه فقرر أن يغيّر موقفه من السلب إلى الإيجاب في علاقته بالله فتاب وأصلح عمله فانطلق إلى مواقع طاعة الله ورضاه ليصلح أمره في عمله ، وعلاقته بربه (فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر الذنب برحمته فلا يبقى للذنب أثر في حياته.
وهكذا يوحي الله بالسلوك العملي الملائم لما يريده ويرضاه ، فإذا جاء هؤلاء المؤمنون بدين الله وآياته إلى مجتمع المسلمين فيجب أن يتلقاهم الرسول والمؤمنون من الدعاة إلى الله ، بكل رحابة صدر ، وسعة قلب ويبادروهم بالسلام الذي يردونه عليهم أو يبدءونه معهم ، وليبعثوا في داخلهم الطمأنينة ، وذلك بالتحدث إليهم عن رحمة الله التي كتبها على نفسه لعباده المؤمنين الخاطئين ، فمن عمل منهم سوءا بجهالة ، ثم انتبه إلى نفسه ، وتاب منه وأصلح طريقه فإن الله ـ سبحانه ـ يتوب عليه ويغفر له ذنبه برحمته لأنه الغفور الرحيم.
(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ) وننوّعها في أغراضها المتعددة ومضامينها المنوعة. وهكذا يفصِّل الله آياته للناس ، فلا يترك أمرا مما يحتاجونه من أمور هدايتهم وضلالهم ومعاشهم ومعادهم ، إلّا وفصّله لهم ليهتدوا به ويتضح لهم سبيل الحق ، (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) فلا يبقى هناك عذر لمعتذر من أيّ شبهة أو شكّ أو حالة غموض ، وهكذا تقوم الحجة على الناس ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حيي عن بيّنة.
* * *