فقط إلّا بحدود ما يتعلق بالمسؤولية العامة ، الأمر الذي يفقد معه أي إنسان مبرر محاسبة غيره وبذلك لا يملك الرسول ولا الداعية أن يقوم بأيّ تصرف سلبيٍّ ضد أولئك المستضعفين فيطردهم من حوله ، لأن الله يريده أن يحيطهم بالعناية والرعاية ، انسجاما مع الأجواء الروحية البعيدة عن التكلّف والامتيازات الطبقية ، التي يريد الله للحياة الإسلامية أن تعيشها فيها .. فإذا انحرفت الخطى عن ذلك وابتعدت الممارسات عن هذا الخط فإن الجو سيكون جوّ ظلم يطبع الحياة بالعدوان ، وهذا ما لا يريده الله للنبي والذي آمنوا ، في ما أوكله إليهم من مهمة وفي ما حمَّلهم إياه من رسالة.
(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) إيمانا به ، وانفتاحا عليه ، والتزاما بطاعته ، وحركة في سبيل الحصول على رضاه في مواقع القرب منه من خلال حالة الخشوع الروحي الذي امتلأت به عقولهم والخضوع الإرادي الذي عاشت له أرواحهم ، فهم لا يفكرون بالموقع الاجتماعي ، ولا بالربح المادي ، ولا بالشهوة الجامحة ، ولكنهم يتحركون في حياتهم على مستوى مواقعهم ومواقفهم وأوضاعهم للوصول إلى الله.
(يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) فهم يريدونه في معنى ذاته في سرّ الألوهية فيها ، وهذا ما يوحي به التعبير عن الذات بالوجه لأنها مظهر الذات في المعنى المادي للصورة وعلى هذا ، جاء قوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] أو (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥].
وقد ذكر صاحب الميزان أن المراد بالوجه هنا «الناحية أعني ما ينتهي إليه الإشارة وجها فإنها بالنسبة إلى الشيء الذي يحدّ الإشارة كالوجه بالنسبة إلى الإنسان يستقبل غيره به ، وبهذه الغاية تصير الأعمال الصالحة وجها لله تعالى ، كما أن الأعمال الطالحة وجه للشيطان ، وهذا بعض ما يمكن أن