وهذا ما جعل الآية الثانية تحذّر الرسول بشكل حاسم ، من الاستجابة لبعض الكلمات التي يحاول هؤلاء المستكبرون من خلالها ، إبعاد الفقراء عن أجواء الرسول ، ليخلو لهم الموقف ، وليمارسوا معه أساليب اللف والدوران ، وليغرقوا حياته بالعبث واللغو والضوضاء ، في ما اعتادوه من أحاديث وممارسات ، وليثيروا أمامه المشاكل التي تثقل تفكيره ، وترهق مسيرته .. وتوحي له باليأس والإرهاق الشديد.
* * *
الخاضعون لإرادة الله هم حملة الرسالة ، فلا تطردهم
ومهما كانت القصة ، فإن الذي يهمنا ـ في هذا المجال ـ هو مواجهة المسألة من ناحية المبدأ ، فإن الله يريد الإيحاء للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وللدعاة من بعده ، بأن هؤلاء الذين يعيشون الإيمان في خشوع الروح ، وخضوع الإرادة لله ، فيدعون ربهم بالغداة والعشي ، يريدون وجهه ، ولا يريدون غيره ، ابتهالا وإخلاصا ويقينا .. هم القريبون إلى الله بالفكر والروح والعمل ، لأنهم الذين استجابوا له ولرسوله ، فكيف يمكن أن يبعدهم الرسول عنه ، وما هو المبرّر له في ذلك كله؟ وهل كان النبيّ يفكر لرسالته بالمستوى الطبقي الذي يعيشه الناس من حوله؟ وهل كانت الرسالة إلَّا لتغيير مثل هذا الواقع الذي يعيش فيه الناس المستضعفون اضطهاد الناس المستكبرين في ما يعيشونه من نزعة العلوّ والاستكبار؟ وما ذا بعد ذلك؟ إنّ طردهم من حوله ، يعني النظرة السلبيّة لحركة الإيمان عندهم في إخلاص العبادة لله ، وهذا مما لا يمكن أن يقرّه الإسلام من مؤمن ، فكيف يقرّه من الرسول؟
وقد أراد الله تأكيد المبدأ ، بالتركيز على أن كل إنسان يتحمل مسئولية عمله ، فيحاسب عليه ، أمام الله ، فسلطة حساب الناس منوطة بالله