الإنسان أمام قضيّة المصير ، لذا رأينا الله يوجّه رسوله ، وكل داعية يسير في خطّ الرسالة ـ إلى أن ينظر الى النّاس من خلال ما يحملونه في داخلهم من الخوف على المصير ، فمن كان سائرا في أجواء اللّامبالاة أمام ذلك ، فلا مجال للحديث معه إلا لإقامة الحجة عليه ، أو إخراجه من هذا الجوّ اللامسؤول ، فلا يتوقف الداعية أمامه طويلا ، لأنَّ في ذلك تضييعا للجهد بلا فائدة ، فقد أغلق هذا الإنسان قلبه عن كل شيء.
أما الذين يعيشون إشراقة الخوف من الله ، عند ما يذكر أمامهم اسمه ، أو تخطر في أفكارهم فكرة الوقوف بين يديه ، ويتصورون خطورة الموقف الذي يشعرون معه بالوحدة الموحشة التي لا يملكون معها وليّا ولا شفيعا من دون الله .. فلا بدَّ للرسول وللداعية من أن يشعر بأن أمثال هؤلاء هم الذين تتحرك الدعوة في حياتهم ، لأن الخوف من الله ، يربطهم بالكلمات المنطلقة من وحية في عمليّة تأمّل وتدبّر وتفكير ويدفعهم ذلك إلى القناعة والالتزام الدقيق بالخط العملي للفكر الإسلاميّ العميق.
ومن هم هؤلاء؟ إنهم الفقراء الطيبون ، الذين لم يرهقهم ترف الغنى بمغرياته وانفعالاته ، ولم يحجب قلوبهم عن البساطة الطاهرة التي تلتقي بالحقيقة والعفويّة والطهر ، هؤلاء الذين لا يشعرون بأن الرسالة تفقدهم الامتيازات التي يملكونها كما يتصور الأغنياء المترفون ، بل يحسّون بأنَّها تمنحهم فرصا لم تكن لهم وتفتح لهم أبوابا كانت مغلقة عليهم ، وتوحي لهم بالمعاني الجديدة لإنسانيتهم ، وبالآفاق الرحبة لوجودهم. وبذلك تبرز الرسالة في وعيهم ، كمنطلق للإشراق الروحي والانساني في ما يشبه الحلم الوردي الجميل.
وهذا ما يفسّر أن جنود الرسالات في بدايات الدعوة ، هم الفقراء والبسطاء في الأغلب ، لأنهم يفهمونها جيّدا من خلال ارتباطها بالجانب الإنساني والروحي للحياة. أمّا الآخرون من الأغنياء والمستكبرين. فإنهم