المادي ، وعن كل ألوان الإغراء أو الاستعراض ، الذي يوحي للإنسان بالانجذاب العاطفي ، والانسحاق الشعوري ، (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) وهكذا أراده أن يقف بينهم عبدا خاشعا بين يديه ، لا يملك أيّة مقوّمات ذاتية كبيرة ، أو أيّة قدرات شخصية مطلقة ، رسولا أمينا على الدور الذي أوكله الله إليه ، فهو ينتظر أمر الله ووحيه في كل صغيرة أو كبيرة ليتبعه ويبلّغه للناس ، وربما كان الحديث عن الاتباع موحيا بالصفة المطيعة المتواضعة التي تجسدها شخصيته ليكون في ذلك بعض الإيحاء لهم بالطاعة لله والاستغراق في دور العبد المطيع الذي يتمثل حركة العبد ـ النبيّ ، في شخصية العبد ـ المؤمن ، وإذا كان التوجيه الإلهيّ يفرض على الرسول أن يقدم نفسه إلى الناس بهذه الصفة فقد نجد فيه الدرس الفكري الذي يريدنا أن لا نغرق أنفسنا بالأسرار العميقة التي يحاول البعض أن يحيط بها شخصية النبيّ ، للإيحاء بأنه يرتفع فوق مستوى البشر في إمكاناته الذاتية وقدراته الكبيرة ، بل بصفته الرسالية من حيث أخلاقه وخطواته ومشاريعه المتصلة برسالته.
وذلك هو السبيل للتعامل مع شخصية الأنبياء والأولياء ، بالأسلوب القريب إلى الوعي الإنساني العاديّ ، في ما يمكن للإنسان أن يعيشه ويتصوّره ويتمثله في نفسه ، ليشعر بأن النبي قريب منه بصفاته البشريّة المثلى التي يمكن أن تكون أساسا للتمثّل والاتّباع والاقتداء. وفي ضوء ذلك ، نجد في الأبحاث السائرة في هذا الاتجاه ، انحرافا عن الخط القرآني الذي يرسم للناس في دراستهم لشخصية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) وهكذا وقف النبيّ ليقدّم نفسه للناس من خلال شخصيته الرساليّة ، التي تسعى لفتح عيونهم على الحقيقة الإلهيّة في الفكر والعقيدة والتشريع ، وليوحي إليهم بأن الذين لا ينفتحون على الإشراق المنبعث من داخلها ، مثلهم كمثل الأعمى الذي لا يبصر شيئا ، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .. (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) وليختم ذلك بالدعوة إلى التفكير الواعي العميق الذي يربطهم