[البقرة : ١٠٢] (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السجدة : ١١] (١).
والمراد به ـ هنا ـ هو الملك الذي يصدق على الملائكة وهم المخلوقات الخفيّة السماوية التي تتمتع بقدرات ووظائف في الكون مما أوكل الله أمره إليهم ، وهذا ما جعل العرب يفكرون بأنهم هم ـ أي الملائكة ـ الذين يستحقون اسم الرسول والنبيّ لأن الرسولية والنبوة من المواقع المرتبطة بالله مما لا بد أن يكون الشخص المتّصف بها ممن يملك القدرات والقرب من الله كالملائكة لا ممّن لا يملك ذلك كالبشر.
* * *
النبي يؤكّد بشريته
(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) وهذه هي الصورة المشرقة الواقعية للشخصية النبويّة التي يريد الله للنبيّ أن يقدّم بها نفسه إلى الناس ، فهو لا يريده كائنا غيبيّا يبرز إليهم من خلال الجوّ الغيبي الضبابي الذي يوحي بكون ذاته سرا خفيا مقدسا بعيدا عن التصوّر البشريّ الطبيعي ، ولا يريد له أن يبدو في نظرهم شخصية أسطورية تملك في حوزتها كل خزائن الله الذهبيّة والفضية ونحو ذلك مما يدخل في عالم التقييم المادي ، بالمستوى الذي يستطيع فيه غرف ما يشاء من المال لمن يشاء من الناس ، (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) ولا يريده إنسانا يقف بين الناس ليتحدث عن أسرارهم الكامنة في صدورهم وعمّا ينتظر كل واحد منهم من أحداث المستقبل ، على أساس ما يحمله من علم الغيب الإلهيّ ، كما هو دور النبي في تصوّر الكثيرين ، الذين يربطونه بشخصية الكاهن الذي كان يمثّل بعضا من ذلك ... (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) ولا يريد له الشخصيّة الملائكيّة ليأخذ بألباب الناس فيدهش العقول بأجنحته المتنوّعة المتعدّدة ، وقدرته الأسطوريّة الخارجة عن كلّ حدّ ، لأنَّ الله يريد للناس أن يؤمنوا به من خلال رسالته بعيدا عن كل أشكال الضغط النفسي أو
__________________
(١) م. س ، ص : ٤٩٣ ـ ٤٩٤.