بالحقيقة من أقرب طريق.
* * *
النبوة وعلم الغيب
وهنا نقطة ، وهي مسألة نفي النبي في حوارة مع المشركين علمه بالغيب ، فقد جاء في الميزان ، قال : المراد بنفي علم الغيب ، نفي أن يكون مجهّزا في وجوده بحسب الطبع بما لا يخفى عليه معه ما لا سبيل للإنسان بحسب العادة إلى العلم به من خفيات الأمور كائنة ما كانت (١). وهذا هو التصور القرآني الصحيح الذي يؤكد نفي الفعلية لعلم الغيب من الناحية الوجودية بمعنى أن يكون مجهّزا في تكوينه البشري بالقدرة الخاصة لعلم الغيب بحيث يتحرك نحوه ـ في فعليته ـ بشكل طبيعي ، بل المسألة هي أن الله قد يطلعه على بعض غيبه مما يحتاجه في نبوته من أمور المستقبل ومن خفايا الأمور كما في قصة عيسى عليهالسلام : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) [آل عمران : ٤٩] ونحو ذلك ، ولعل هذا هو الذي أشار إليه أمير المؤمنين علي عليهالسلام في إخباره بالمغيبات عن سؤاله «هل هذا علم بالغيب؟» ـ في تصورهم للمعنى الذاتي للعلم من خلال القدرات الخاصة التي يملكها في ذلك ـ فأجاب «وإنما هو تعلُّم من ذي علم» (٢) وهذا هو الذي عبر عنه بعض المفسرين «هو علم الغيب بالعرض» أي تعلم من عالم الغيب.
وخلاصة الفكرة : هي أن الله كان يطلع رسله بطريقة التعليمات التدريجية المحدودة على الغيب كما في قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) [الجن : ٢٦] ولم يكن علم الغيب منطلقا من قدرة تتحرك بالفعلية ليعلم بالغيب كل ما أراد من خلالها بحيث إن الله أعطاه ذلك من خلال القاعدة المنتجة للعلم في نفسه. والله العالم.
* * *
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٧ ، ص : ٩٧.
(٢) نهج البلاغة ، الخطبة / ١٢٨.