ونجيب عن ذلك ، بأنّ الله أجرى الأمور على السنن الحتمية في الوجود .. ولكنه أراد لها أن تخلق ـ بحسب طبيعتها ـ حالة وجدانية في داخل الإنسان ، فتذكّره بالحاجة إلى الارتباط به ، على أساس أنه مصدر القوة ، ومرجع كل شيء ، لأن الله جعل منابع الوعي الإنساني لقضايا الإيمان خاضعة في وجودها ونموّها واستمرارها لما أبدعه الله في الكون من دلائل عظمته ، ومن أسرار خلقه ومواقع رحمته وحكمته .. فإذا أخذ الإنسان بإيحاءاتها أمكنه أن يلتقي بالله من أوسع الأبواب ، أما إذا أغفلها وتناساها وابتعد عن خطّها الأصيل ، فإنه سيلتقي بالعذاب والهلاك في الدنيا والآخرة.
وربما يطرح سؤال كيف تحدّث الله في الآيتين السابقتين عن رجوع هؤلاء الكافرين إليه ، ودعائهم له بما عداه ، ونسيانهم لما يحرك مشيئته ـ تبعا لحكمته ـ في كشف العذاب عنهم ، بينما يتحدث في الآيات الأخيرة عن رفضهم التضرع له والعودة إليه ، بفعل قسوة قلوبهم ، وتزيين الشيطان لهم أعمالهم؟
هل هذا إلا تناقض في المضمون؟ وهل الحلّ هو في التفريق بين الناس الذي عاشوا مع الرسول ـ (عليه الصلاة والسلام) ـ والناس الذين عاشوا قبل ذلك؟ إننا نستبعد ذلك ، لأن الظاهر من أجواء الآيات ، أن الحديث عن الخط الشركي هو في نماذجه السابقة واللاحقة ، باعتبار أنهم فريق واحد في المنطلقات والممارسات. وقد يجيب البعض ، بأن الآيتين السابقتين تتحدثان عن الحالة الفطرية العفوية التي يتحرك فيها الإنسان بطريقة لا شعورية تماما كما هي اليقظة السريعة التي تندفع بعيدا عن الغفلة لتلتقي بالله بشكل عابر من دون أن ينعكس ذلك على الخط العملي الطويل ، بينما تتحدث الآيات الأخيرة عن الموقف الحاسم المستمر الذي يمثل الابتعاد عن