الأسس الأوليّة التي استندوا إليها في حركتهم الفكرية والعمليّة قبل أن يواجهوا الحقيقة الصعبة في موقف لا يملكون معه أيّة فرصة للتراجع والتخلّص.
وتنطلق الآيات الأخرى لتوضّح الأسلوب الإلهيّ الذي يمثل سنّة بارزة في طريقة هداية الله للناس ، فهذه هي أحداث التاريخ ، وما عاشته الأمم الماضية التي مرّت عليها البأساء والضرّاء وفي ما واجهته من مشاكل وآلام ، فقد أراد الله لهم أن يثير شعورهم العميق بالحاجة إليه ، ويبعدهم عن جوّ الغفلة واللامبالاة الذي تستدعيه حالة الأمن والطمأنينة والاسترخاء الذاتي للنعيم وللراحة اللاهية ، فإذا هزّتهم المصائب والفواجع ، شعروا بمسألة اللجوء إلى الله ، كحاجة عميقة ، تهزّ أعماقهم بالتضرّع ، بوحي من حاجتهم حالة الفطرية الطبيعية ، ولكنهم لم يستجيبوا لذلك ، لأنهم كانوا خاضعين للعقدة الشيطانية المستحكمة ، التي حوَّلت قلوبهم إلى حجارة صماء لا تتفاعل بالمؤثرات الروحيّة التي تهز المشاعر ، وتوقظ الإحساس ، وزيّنت لهم أعمالهم فتبدلت الصورة عندهم إلى غير حقيقتها ..
وهكذا امتدّت بهم الحياة في نطاق الأجواء اللاهية المنفتحة على الرخاء ، فعاشوا معها في ما يشبه النشوة التي أنستهم كل شيء ، وفجأة تبدّل كل شيء ، واهتزّت الساحة ، وأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر فإذا هم يجرّون الحسرة تلو الحسرة ، واليأس كل اليأس .. (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا). ولم يبق منهم أحد (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، الذي يفتح لعباده كل أبواب الخير والنجاة .. ولكنهم لا يستجيبون له ، فيظلمون أنفسهم ، فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
وقد نتساءل ، عن هذه البأساء والضراء التي يأخذ الله بها عباده ، بعيدة عن أسبابها الطبيعية الكامنة في حركة الكون والحياة؟ أم أنها منطلقة منها؟ وإذا كانت كذلك فما علاقة الموضوع بالتذكير والموعظة ونحو ذلك؟