وقال المفسرون ـ في ما رواه صاحب مجمع البيان ـ وروى ابن عباس عن النّبيّصلىاللهعليهوآلهوسلم «أنّ عمرو بن لحيّ بن قمعة بن خندف كان قد ملك مكة ، وكان أول من غيّر دين إسماعيل ، واتخذ الأصنام ونصب الأوثان ، وبحر البحيرة وسيّب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فلقد رأيته في النّار يؤذي أهل النّار ريح قصبه»(١).
* * *
لا قداسة لسنن الآباء والأجداد
وهكذا كانت هذه المحرمات تمثّل تاريخ الآباء والأجداد ، فلها قداستها في نظر أولادهم ، ولذلك كانوا يرفضون مناقشتها في ما يراد لهم من توضيح الأمر وإرجاعه إلى واقع المصلحة فيه ، ليعرفوا ما فيه من خلل وزيف وفساد ، لأنّ الدخول في ذلك ـ في نظرهم ـ يمثّل اعترافا ضمنيا بأنّ الآباء قد يخطئون وقد ينحرفون عن الحقّ مما يتنافى مع الشعور بالقداسة والاحترام ، ويتعارض مع القيم السائدة لديهم في التفاخر بالأنساب ، واعتبار النسب قيمة كبيرة ، تتحدى الآخرين في ما يملكونه منها. ولهذا كان الانتقاص من الآباء انتقاصا من الأولاد ، لارتباط مجدهم بمجدهم ، واتصال تاريخهم بتاريخهم في جميع الأمور الّتي كانوا يعملونها أو يتركونها.
وفي ضوء ذلك ، كان التطور الفكري مجمّدا عندهم ، في ما يفرضه من اكتشاف الحاضر أخطاء الماضي ، في محاولة للعمل على تصحيحها وتغييرها ، فقد كانت العادات والتقاليد والأفكار إرثا يحمل خصوصية القداسة المرتبطة
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٣ ، ص : ٣١٥ ـ ٣١٦.