كان قد يقترب من التخصيص من حيث اللفظ ، لأنّ هذه الأمور الّتي قد يسألونها في نطاق الأحكام ، في ما يتصل بها من خصوصيات الموضوع ، لا خصوصيّة لها ، إلّا من حيث إنّها من الأمور الّتي لا ضرورة للسؤال عنها لأنّها لا تمثّل وجها من وجوه المعرفة النافعة للإنسان. وبذلك تلتقي مع كثير من الأسئلة الّتي تتعلّق ببعض شؤون الحياة الخاصة أو بما يحاول النّاس أن يثيروه من خصوصيات الحديث عن تفاصيل ما بعد الموت ، أو عن شؤون التفصيل بين شيء وآخر أو بين إمام ونبي ، أو بين وليّ وولي ، مما لا يمثّل أي شأن من شؤون العقيدة والحياة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) وقد نستطيع التركيز على بعض جوانب الدلالة اللفظيّة للكلمة ، فنجد أنّها تشمل كثيرا من القضايا المتعلّقة بالتصوّر التفصيلي لكثير مما لا يريد الله لنا أن نخوض فيه ، ما لم يتصل بمسؤوليّتنا في قضايا المعرفة قبل الموت أو بعده ، والّتي يمكن اشتقاقها من قوله تعالى : (إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) ، لأنّ الأشياء الّتي قد تسوء الإنسان قد تتعلّق بالعمل ، وقد تتعلّق بالتصوّر في ما يختلف فيه الأمر من حيث انسجامه مع تصوراته الذاتية ، أو مع مستوى تفكيره للأشياء وعدم انسجامه معها. (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) كما أنّ الحديث عن نزول القرآن بها لا يصلح أن يكون دليلا على التخصيص بما ذكر ، لأنّ القضيّة هي من الأمور الفرضية لا الواقعيّة ، ليقال إنّه ليس من شأن القرآن أن ينزل بالقضايا الخاصة ، فقد أراد الله أن يبيّن لهم أنّ السؤال يستتبع الجواب من خلال الوحي الّذي قد يبدي بعض الأشياء الّتي لا ترضي هؤلاء السائلين من حيث تصوراتهم العامة والخاصة ، وذلك من خلال الحديث عن ارتباط النتائج بمقدماتها. وأمّا التعقيب بقوله : (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) فلا يصلح حجّة على الموضوع ، إذ من الممكن أن يكونوا قد كفروا بها (ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) لأنّها لم تنسجم مع تصوراتهم عن طبيعة تلك الأمور المتعلّقة