وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) [البقرة : ٢١٩] ، وجاء الحديث عن الخمر ـ وحده ـ في سورة النساء في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) [النساء : ٤٣] وجاء الحديث عن الخمر والأنصاب والأزلام في هذه السورة ، في آيات التحريم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ) وجاءت هذه الآيات لتعطي الخمر والميسر والأنصاب والأزلام مفهوما واحدا يبرر ابتعاد النّاس عنها ، وهو أنّها (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) ، والرجس : هو الشيء القذر الّذي ينفر الطبع منه ، ولعلّ هذه الكلمة واردة على سبيل الكناية ، باعتبار ما تشتمل عليه هذه الأشياء من الأضرار والخصائص السلبيّة الّتي لو اطلع النّاس عليها لابتعدوا عنها كما يبتعدون عن الأشياء القذرة الظاهرة. فإنّ السبب في نفور الطبع من هذه الأشياء هو ما يلاحظه النّاس فيها من الخصائص المنفردة في رائحتها أو شكلها أو طعمها ، مما يوحي للإنسان ببعض الأفكار والمشاعر المضادة. وقد أراد الله للنّاس أن يدققوا في هذه الأمور ليكتشفوا ما تشتمل عليه من الخصائص المنفرة الّتي تدفع الإنسان إلى الاجتناب عنها ، لما فيها من الإضرار بالحياة والعقيدة والسلوك ، الّتي تضعها في زاوية الأقذار المعنويّة ، فالخمر يحوّل السكران إلى إنسان يتحرك خارج نطاق الحياة الواعية ليعيش في غيبوبة الخدر الّتي تبعده عن الواقع ، وبذلك يفقد الإنسان توازنه في عالم التصوّر والعلاقة والعمل. والميسر يبعد النشاط الاقتصادي الّذي يتطلب الربح ، عن الانطلاق إلى الأعمال المنتجة الّتي تبني للحياة كيانها في نطاق الخدمات العامة ، ليجعل النشاط كلّه مشدودا إلى طاولة القمار ، ليعطي كل جهده للألاعيب والأساليب الفنيّة في اقتناص الربح في جوّ لا يحمل أيّة تجربة إنسانيّة نافعة. والأنصاب ، تجعل الفكر الإنساني مشدودا إلى الحجارة في نظرة تقديس تتحوّل إلى حالة من الممارسة العباديّة ، وبذلك تنطلق الصنميّة لتكون