يتحركون في الساحة العامّة ، يطلب منهم موقف مؤيد أو معارض من خلال المواقف التي يقفونها ، مما يكلّف الكثير من التضحيات ، ويضع الكثير من الصعوبات ، وقد لا يكون هناك مجال للابتعاد عن الساحة ، أو الغياب عن الموقف أو الاختفاء وراء الكلمات الضبابيّة أو الأوضاع الرمادية فلا بدّ من الموقف الإيجابي للفكر وللموقف ، وهنا يأتي دور الحسم الإلهي بعدم التراجع ، وبحتميّة الإقدام والإبلاغ والوقفة الحاسمة ، ينطلق مع ذلك الوعد بالعصمة من كل عوامل الخوف من الناس المحيطة بالموقف.
إن وحي هذه الآية يعطينا فكرة الموقف وهي أن التقية قد تكون في القضايا الصغيرة المتعلقة بالشخص وبتفصيلات التحرّك الخاضعة لإمكانات التغيير والتبديل من دون مساس بجوهر القضية الأساسيّة ، أما القضايا الكبيرة فلا مجال فيها للتقية ، لأن ذلك يحجب وضوح الرؤية عن الناس ويؤدي بهم إلى الوقوع في قبضة الكفر والضياع ، وهذا مما لا تسمح به طبيعة الرسالة الّتي أنزلها الله لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ، ولتنقذهم من الضلال لتفتح لهم أبواب الهدى ، فإن ذلك قد يلغي دور الرسالة في الساحة ، وبالتالي وجودها.
إن من وحي هذه الآية ، أن الداعية إلى الله لا يتجمّد عند حسابات الأشياء في نطاق الظروف الموضوعيّة المحيطة به لتكون بمثابة القضاء والقدر اللذين لا يستطيع الناس تجاوزهما لما يمثلانه من الحتميّة في حركة الحياة ، بل ينبغي له أن يتجاوزها بعض الشيء بروح المغامرة الإيمانية المرتكزة على الثقة بالله الذي قد يخلق له ظروفا داخليّة في نفوس الناس ، وخارجيّة في حركة حياتهم ، فتوجه الأمر إلى اتجاه يختلف عن الاتجاه الذي تمثله الظروف العادية. إن الالتزام بالظروف المحيطة بالساحة وبالداعية ، بالدقّة التي يتصوّرها البعض ، قد يوقع الداعية إلى الله والعامل في سبيله ، في قبضة الاستسلام للأمر الواقع ، وفي تمجيد روح الاندفاع والمغامرة في اتجاه الآفاق البعيدة الّتي