العمليّة. وقد كان التاريخ الّذي عاشه المسلمون مع اليهود مليئا بالمشاكل والتآمر والكيد والفتن وبالمستوى الّذي كاد أن يربك المسيرة الإسلاميّة في العهود الّتي رافقت حركة الرسالة ، كما كان السلوك الّذي أحاط بالمسلمين من قبل النصارى ، يوحي بشيء من هذا القبيل في ما يختزنه المستقبل.
* * *
المناعة الداخلية ضرورة إزاء العلاقة مع اليهود
وفي ضوء ذلك كله ، أراد الإسلام من المسلمين أن يتحفظوا في إيجاد علاقة الولاية بينهم وبين هؤلاء ، لتبقى الحواجز النفسيّة الفكريّة سبيلا من سبل المناعة الداخليّة البعيدة عن حالة الميوعة والذوبان ، ولتبقى التحفظات العمليّة أداة من أدوات الحماية الواقعيّة للحياة الإسلاميّة من خلفيات الخطط الخفية المضادة المرسومة من قبل الآخرين. وهذا ما نستوحيه من جو هذه الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) فقد نلاحظ ـ في الفقرة الأخيرة ـ نوعا من أنواع الإيحاء الخفي بوجود محورية داخلية بين هؤلاء ، سواء أريد من كلمة البعض ، اليهود في ما بينهم ، أو النصارى في ما بينهم ، كما يفهمه بعض المفسرين الّذين يرجحون ذلك على أساس العداوة التاريخيّة بين اليهود والنصارى ، مما يبعّد تقرير الولاية فيما بينهم ، أو أريد منهم اليهود والنصارى فيما بينهم ، لأنّهم إذا افترقوا في خلافاتهم الذاتيّة ، فإنّهم يتفقون عند ما يكون المسلمون الهدف المشترك الّذي يتوحدون حوله. إنّ هذا التأكيد على هذه الولاية المحورية ، يؤكد على عدم استجابتهم للولاية في ما يتعلق بعلاقتهم بالمسلمين ، وانطلاقهم في خط السلبيّة تجاهم بكل ما لذلك من نتائج وآثار. وفي هذا الجوّ ، نعرف أنّ القضيّة الّتي يؤكدها الإسلام ، لا تعيش في خط الروح العدوانيّة الّتي يعمل على تعبئة المؤمنين بها ضدّ غيرهم