الخصوصيات الّتي تختلف فيها هذه الكتب لا تمسّ الخطوط العامّة ، بل تمس التفاصيل الّتي أوضحت هذه الكتب على أنّها قد تتغيّر وتتبدّل تبعا للحاجات الّتي يفرضها عامل الزمان ، مما ينتهي فيه حدّ المصلحة الباعثة إلى الحكم تارة ، أو مما تتبدّل فيه المفسدة إلى مصلحة أخرى. وعلى ضوء هذا ، كانت الدعوة إلى أن يحكم أهل الإنجيل والتوراة والقرآن بما فيه من الحقّ ، لأنّ ذلك هو الّذي يلتقي عليه الجميع ، فيكون الابتعاد عنه ظلما وفسقا وكفرا ، ولهذا كان الإلزام القرآني لكل فريق من الفرقاء الّذين ينتمون إلى هذا الكتاب أو ذاك ، بالمعاني الّتي يلتزم بها الكتاب ، لأنّ كل واحد منها يمهّد الطريق للآخر ويدعمه في كل الجوانب الحيّة فيه.
ثالثا : إنّ على الدعاة لله والعاملين في سبيله ، أن يكونوا في حالة حذر دائمة ورصد مستمر لكل الأساليب الملتوية الّتي يحاول دعاة الكفر وأولياؤهم أن يضللوا بها المؤمنين عن دينهم ، في ما يثيرونه حولهم من الأجواء المحمومة الّتي تثير المشاعر وتهز النفوس ، أو في ما يحشدونه من المعلومات الكاذبة الّتي يريدون من خلالها توجيه الأمور في غير وجهتها الصحيحة ، لينحرفوا بالحكم عن الحقّ ، وذلك من أجل اكتشاف اللعبة الملتوية المزخرفة الّتي تتمثل في أكثر من أسلوب ، وأكثر من وجه.
رابعا : إنّ الحكم حكمان ، حكم الجاهليّة ، وهو الحكم الّذي يرتكز على الباطل ويبتعد عن وحي الله ، مما يصنعه البشر لأنفسهم انطلاقا من مصالحهم ومنافعهم وأنانيتهم ، بعيدا عن الله ، وحكم الله الّذي شرعه لعباده في ما أوحى به لرسله ، مما ينسجم مع مصالح الإنسان كإنسان بعيدا عن كل الخصوصيات الّتي ترهق إنسانيته وتعطل مسيرته نحو الخير. ولا بدّ لنا من الدخول في عمليّة المقارنة دائما بين هذين الحكمين ، ليبقى النّاس على وعي عميق منفتح بما يمثله حكم الله من خير وبركة ورحمة للإنسان وللحياة ـ كما توحي به الآية الأخيرة ـ وليبقى الهاجس الّذي يعيش في همّ المجتمع من أجل