فرضتها تطورات
الواقع الإنساني ، أو تبديل بعض الأحكام الّتي كانت خاضعة لظروف محدودة على صعيد
الزمان والمكان ، وأصبح من الضروري استبدالها بأحكام جديدة تتناسب مع الظروف
الجديدة. وعلى ضوء هذا ، فلا نجد هناك إلغاء من الرسالة اللاحقة للرسالة السابقة ،
بل إنّنا نلاحظ امتدادا لأيّ منها في داخل الأخرى ، وإذا كان هناك حديث عن النسخ ،
فإنّه لا يشمل الرسالة كلها بل يختص ببعض أحكامها ، تماما كما يقع النسخ في داخل
الرسالة نفسها ، وذلك مثل نسخ القبلة ـ في الإسلام ـ من بيت المقدس إلى الكعبة.
وليس هناك إلغاء
للكتاب ، فلم يلغ الإنجيل التوراة ، ولم يلغ القرآن التوراة والإنجيل ، بل إنّه
أوحى ـ كما لاحظنا في الفقرات المتقدمة من الآيات ـ بأنّ للنبي أن يحكم بما أنزل
الله فيها من أحكامه الّتي لم ينسخها في القرآن ، وهذا ما نلاحظه في الإيمان الإسلامي
الّذي يؤمن بالرسل كلهم (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥] ،
وبالكتاب كله (وَتُؤْمِنُونَ
بِالْكِتابِ كُلِّهِ) [آل عمران : ١١٩]
، في إيحاء بأنّ الكتاب واحد في مدى الرسالة في فصول متعددة ، أو أجزاء متنوعة.
وعلى هدى ذلك كله ، فإنّنا نفهم من قوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا
مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) أنّ الخطاب فيها للأنبياء ، فلكل نبيّ شرعة ومنهاج يحرّكه
في مرحلته تبعا لحاجاته وظروف الواقع الإنساني آنذاك ، من دون أن ينفي امتداد كل
شرعة ومنهاج في الشرعة الأخرى والمنهاج الآخر ، وربّما نستوحي هذا الخط الممتد في
الرسالات من قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : ٦٢] فإنّ فيها إيحاء بأنّ الإيمان بالله واليوم
الآخر والعمل الصالح الّذي يفرض نفسه على الإنسان من خلال أمر الله ، يشكل منطلقا
ليطلب من المؤمنين ـ بتنوعاتهم التاريخيّة ـ الانفتاح على كل مواقع العمل الصالح
المحدّدة من الله في رسالته ، ليلتقي الجميع على الإسلام الشامل في الرسالة
الواحدة الّتي تجمع الرسالات كلها في