وجوب التزام الحق في الحكم
وعلى ضوء ذلك ، كان القرآن هو الّذي تنطلق منه القاعدة ويتحرك معه الخط المستقيم ، ويدفع بالحكم إلى مواقع الحقّ (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) من الكتاب عليك لشموليته لما في الكتب السماويّة ، فلا يشعر اليهودي بغرابة الحكم الشرعي الّذي يصدره الحاكم المسلم عليه ، لأنّ التوراة ليست غريبة عنه ، ولا يجد النصراني أيّ إشكال في القضاء الإسلامي في القضايا الّتي يتحاكم فيها إليه لأنّها لا تبتعد عن أجواء المفاهيم العامّة في الإنجيل ، (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ) فقد يحاولون أن يجتذبوا عاطفتك لبعض رغباتهم وأهوائهم وأوضاعهم الّتي لا ينطلقون فيها من كتاب ، ولا يرتكزون فيها على قاعدة من الحق ، ولا بدّ لك من أن تكون حذرا من كل أساليبهم وإغراءاتهم ، لأنّ المسألة ليست مسألة حالة اجتماعيّة أو شخصيّة خاضعة للمجاملة ، بل هي مسألة حقّ يراد إقامته وباطل يراد إبطاله ، وهو خط الرسالات الّذي يريد من الناس كلهم تحكيم الحق في ما بينهم.
* * *
المراد بالشرعة والمنهاج
(لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) فلكل نبيّ شريعة وطريق ، والمراد بالشرعة أو الشريعة ـ في الأصل ـ الطريق الّذي يؤدي إلى الماء وينتهي به ، وهي في هذه الآية الدين المشتمل على الحقائق والتعاليم والشرائع المؤدية إلى تطهير الإنسان من رذائله وعيوبه وانحرافاته ، فكأنّه يسير به إلى ينبوع المعرفة الّذي يغسل له كل قذرات الجهل والتخلّف. أمّا المنهاج ، فهو الطريق الواضح