«وقد أنزل فيه تصديق التوراة في شرائعها إلّا ما استثني من الأحكام المنسوخة الّتي ذكرت في الإنجيل النازل على عيسى عليهالسلام ، فإنّ الإنجيل لما صدّق التوراة في ما شرّعته ، وأحلّ بعض ما حرّم فيها ، كان العمل بما في التوراة في غير ما أحلّها الإنجيل من المحرّمات عملا بما أنزل الله في الإنجيل وهو ظاهر» (١). وما ذكره ليس ظاهرا ، لأنّ الظاهر أنّ مضمون الحكم موجود في التوراة الّتي أمر الإنجيل بالأخذ بها ، وربّما كان المقصود بالحكم بما في الإنجيل هو الخطوط العامّة للعدل وللخير والمحبة وغيرها من المفاهيم الأخلاقيّة والروحيّة الّتي تتمثل في مسألة السلوك الإنساني على صعيد العلاقات.
* * *
هل لأحكام الإنجيل سيادة في وقتنا الحاضر؟
وقد أثار المفسرون حديثا أنّ الآية لا تأمر أهل الإنجيل ـ وهم النصارى ـ أن يواصلوا العمل بأحكام الإنجيل في عصر الإسلام ، لأنّ ذلك مناقض لآيات القرآن الأخرى ، ولوجود القرآن نفسه الّذي أعلن نسخ الدين القديم بالإسلام.
ولذلك فإنّ المراد ـ حسب قولهم ـ أنّ الآية تتحدث عن مرحلة نزول الإنجيل ، فقد أمر الله النّاس آنذاك أن يعملوا به وأن يحكّموه في جميع قضاياهم. ولهذا قالوا بالتقدير : «وقلنا : وليحكم أهل الإنجيل ... إلخ».
ولكنّ الظاهر أنّ الآية واردة في مقام إقامة الحجّة على المنتمين إلى
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٥ ، ص : ٣٥٥.