العفو كمبدإ للعلاقات الإنسانية
ويبقى للمعتدى عليه الحقّ في العفو عن المعتدي في عدوانه ، انطلاقا من السمو الروحي الّذي يرتفع فيه الإنسان عن مستوى الثأر لنفسه ، أو من الواقع الاجتماعي الّذي يفرض عليه التنازل عن حقّه ، أو من المصالح الخاصة أو العامّة الّتي تدفعه إلى ذلك ، أو من الشفاعة الّتي يقوم بها بعض الأشخاص القريبين إليه لمصلحة المسيء لاعتبارات خاصة أو عامة ، وهكذا أراد الله أن يمنح هذا النوع من التنازل عن الحقّ عنوان الصدقة الّتي وهكذا أراد الله أن عند الله في الحصول على الحسنات والعفو عن السيئات ، تشجيعا لهذه المبادرة الإنسانيّة بالعفو (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ) أي بالقصاص الّذي هو حقّ له (فَهُوَ) ، أي التصدّق به ، (كَفَّارَةٌ لَهُ) عن ذنوبه. وقد جاء عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام في ما رواه الكافي بإسناده إلى الحلبي قال : سألته عن قول الله عزوجل : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) ، قال : «يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفا من جراح أو غيره» (١) ، وربّما كان تأثير العفو من الناحية النفسيّة ـ في السمو الروحي للعافي ، وفي الانفتاح الإنساني على الندامة لدى المعتدي ، إشارة واضحة على ضرورة إقامة العلاقات الإنسانيّة ، على الإحسان ، لمردوده الخيّر على الحياة.
* * *
ظلم الحاكم أخطر من ظلم المحكوم
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) الّذين يساهمون في تعميق واقع الظلم في النّاس ، بالامتناع عن الحكم بمعاقبة الظالم ، مما يشارك
__________________
(١) البرهان في تفسير القرآن ، ج : ١ ، ص : ٤٧٧.