لائم ، لأنّ ذلك هو دور رسل الله بما حمّلهم من رسالته ، أن يجاهدوا في الله حقّ جهاده بلا خوف ولا وجل ، لأنّ الله ينصر عباده المؤمنين ، (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً) أي لا تستبدلوا ولا تستعيضوا بحيث تبيعون دينكم بالثمن البخس الّذي لا يسمن ولا يغني من جوع ، أو بمال تحصلون عليه أو جاه تصلون إليه ، فذلك هو دليل الإيمان بالله ورسالاته ، لأنّ الإيمان ليس مجرد كلمة بقولها المؤمن ويتابع سيرة من دون التزام عمليّ ، بل هو التزام حركي حاسم يقف فيه الإنسان مع أحكام الله ، فلا يقدّم رجلا ولا يؤخر أخرى حتّى يعلم أنّ في ذلك لله رضى.
* * *
للكافر درجات ومراتب
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) بالمعنى العملي للكفر في إيحاءاته والتزاماته ونتائجه ، فإنّ للكفر درجات ومراتب تبعا لما في الإيمان من درجات تبدأ من الإيمان القلبي لتمتد إلى الإعلان عنه باللسان لتصل ـ في الدرجة العليا ـ إلى الإيمان العملي الّذي يعمل على تغيير واقع الإنسان من الضلال إلى الهدى ، ومن الانحراف إلى الاستقامة ، هذا كله إذا كان عدم الحكم بما أنزل الله ناشئا من حالة الخوف أو من حالة الطمع ، أمّا إذا كان ذلك ناشئا من إنكار شرعيته وواقعيته أو الاستهانة به من جهة عدم الإيمان بكتاب الله ورسوله ، فإنّه يكون كفرا التزاميّا يشمل العقل واللسان والحركة.
وهذا هو الخط المستقيم الّذي لا بدّ للدعاة إلى الله من رسل وعلماء ومفكرين من أن يلتزموه ، وأن يواجهوا بالتالي ، كل التحديات الكافرة والضالة والمنحرفة ، بالحقائق الإيمانيّة الواضحة بالقوّة الفكريّة والعمليّة ، لأنّ القوّة لا بدّ من أن تقابل بمثلها.
* * *