مدخل عام
(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) مما بيّناه من عقائد ومفاهيم وأحكام تهديهم إلى الحقّ وتبعدهم عن الباطل وتنير لهم السبيل إلى المعرفة الحقّة الصافية الّتي لا ظلمة فيها ولا غموض ، وتلك هي صفة كتب الله الّتي ينزلها على رسله ليخرجوا النّاس من الضلال إلى الهدى ، ومن الظلمات إلى النور ، ولتمثّل القانون العادل الّذي يرجعون إليه في كل خلافاتهم ونزاعاتهم في شؤون الحياة العامة والخاصة ، وقد أنزل الله التوراة على موسى عليهالسلام هدى وأنوارا تمتد إلى مدى الزمن في شرائعها الباقية ؛ (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) وأذعنوا له وخضعوا لوحيه بكل ما يشتمل عليه ممن جاء من بعد موسى عليهالسلام.
(لِلَّذِينَ هادُوا) الّذين آمنوا بموسى عليهالسلام والتزموا بالتوراة كتابا منزلا من الله ليفصل بينهم في ما اختلفوا فيه من الحقّ في العقيدة والشريعة ، لأنّ هؤلاء الأنبياء يملكون علم التوراة كما أنزلها الله ، فلا يملك اليهود المنحرفون إخفاء ذلك أو تحريف ما فيها من أحكام لمصالحهم الخاصة ، لأنّ الأنبياء يفضحون ذلك بما أعطاهم الله من علم الكتاب ، (وَالرَّبَّانِيُّونَ) وهم العلماء المنقطعون إلى الله علما وعملا الّذين يقومون بمهمة التربية للنّاس بما يملكون من علم ، (وَالْأَحْبارُ) وهم الّذين يملكون الحبرة من علماء اليهود السائرين على خط التوراة ، فهؤلاء وأولئك يحكمون بين النّاس (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) الّذي أرادهم الله أن يحفظوه بكل حقائقه من دون تحريف أو تغيير كوديعة مضمونة ، (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) من خلال المعرفة التفصيليّة الّتي يملكونها ، والمسؤوليّة الّتي يتحملونها في إبلاغها للنّاس فلا يكتمونها عنهم ، (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) في كتاب الله ورسالته لأنّ الله أرادكم أن تأخذوا الكتاب بقوّة ، وأن تبلغوا الرسالة بصلابة ، فلا تأخذكم في الله لومة