معاملة إلّا إذا عرف أنّه مما أحلّه الله لعباده. وبذلك ينطلق الإنسان من قاعدة الرسالة في قيمها الأصيلة ، لا من موقع المزاج في شهواته المضطربة.
ثالثا : إنّ الآيات الكريمة ، في قوله تعالى : (وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ) توحي بأنّ الشرائع الإلهيّة تتداخل في أحكامها ، كما تتداخل في مفاهيمها ، فليس هناك تعارض واختلاف بين الرسالات ، إلّا في ما كانت حيثياته خاضعة لزمان أو مكان معين ، وهذا ما ينسخه الله في ما ينسخه من أحكامه ، أمّا الّذي ينطلق من حالة الإنسانيّة في عمقها الإنساني بعيدا عن الزمن ، فهو الحكم الثابت الّذي يتحرك مع الرسالات ليمثّل استمرار الشريعة وامتدادها مع كل الأنبياء. وفي هذا الجو ، يمكن أن نواجه الحوار حول الأديان ، وذلك بالروحيّة الّتي تعيش في داخل المؤمنين لتوحي لهم بأنّ هناك أكثر من موطن لقاء بإزاء ما يخيّل إليهم من مواطن الخلاف. وإذا كان القرآن قد تحدّث إلينا بأنّ هناك تحريفا في التوراة من قبل أهلها الّذين ينتسبون إليها ، فقد انطلق الحديث عن قضايا خاصة ، أمّا في غير ذلك ، فإنّ القرآن قد صرّح بأنّها الكتاب الّذي يلتقي بالقرآن في أكثر الأحكام والمفاهيم. وقد كان الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم يحتج عليهم بالتوراة في مجال إثبات حكم الله الحق الّذي يلتقي فيه القرآن بالتوراة.
رابعا : إنّ بداية هذه الآيات الّتي أكدت على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن لا يحزن من خطوات هؤلاء الّذي يسارعون في الكفر من المنافقين واليهود وغيرهم ، توحي بأنّ على الداعية لله ، العامل في سبيله ، أن لا يتعقد أو يشعر بالانسحاق إزاء الحالات الضاغطة الي تواجهه في خطوات الكفر والنفاق ، بل عليه العمل على تفريغ نفسيته من كل الانفعالات السلبيّة ليواجه الموقف بالتخطيط العملي الّذي يرصد السلبيات ، ليتعامل معها بروح التحدي الّذي يحولها إلى إيجابيات عمليّة لمصلحة الدعوة والعمل الرسالي ، فلا مجال للحزن الذاتي في حركة الداعية إلى الله ، لأنّه لا يعيش الأجواء الذاتيّة المجرّدة في حياته ، لأنّ كل