قائلا له : (لَأَقْتُلَنَّكَ) ، في لهجة تنضح بالحقد والحسد الطاغي الّذي يتفجّر في صدره كالحمم ، ولم يكن هناك أي مبرر لهذا الموقف منه ، لأنّ النتيجة ليست من صنع أخيه ليحسبها ذنبا من ذنوبه الّتي يستحق العقوبة عليها ، بل القضيّة من صنع الله في هذا وذاك ، فهو الّذي رفض هذا وتقبّل ذاك ، فليكن الحساب مع الله إذا كان يمكنه ذلك أو يحقّ له .. ولكنّه الحسد الّذي يواجه فيه الحاسد المحسود ، من غير ذنب جناه ، إلّا أنّ الله أنعم عليه ولم ينعم على الحاسد.
فما كانت ردّة فعل الأخ المؤمن؟
إنّنا نلمح الوداعة الإيمانيّة والصفاء الروحي ، والمشاعر الطاهرة المنسابة في عروق الحياة ، كانسياب النّور في عروق الصباح ، والسلام المنهمر كالشلال من كل كلماته في ردّه على تهديد أخيه له ، من خلال ما نقله الله لنا عنه في الآيات المتقدمة ، في قوله تعالى : (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ).
إنّه موقف «اللاعنف» أو «إرادة السلام» الّذي يعبّر عن نفسه بهذه البساطة الموحية ، فهو لم يواجه أخاه بموقف تهديديّ مضاد ، لأنّه لا يؤمن بالمبدأ الّذي يدفع الإنسان إلى قتل أخيه الإنسان قريبا كان أو بعيدا ، لمجرّد نزوة عارضة أو مزاج انفعالي ، بل يؤمن بإعطاء فرصة التراجع والمرونة لمن يتّخذ المواقف الحادّة ساعة الانفعال والغضب ، بفضل هدوء فكره ، ورحابة صدره ، ليسيطر على السلبيات الّتي تفجر الموقف وتخلق المشكلة ، ثمّ يحاول أن يربط ذلك كله بالإيمان بالله الّذي يريد للإنسان السلام في الحياة ، فيعبّر عنه بأنّه يخاف الله ربّ العالمين ، الّذي يطلع على كل أقواله وأفعاله ، فيحاسبه على كل شيء.
إنّه يقف ليحذّره كي لا يحمّل نفسه مسئوليّة إثم القاتل والمقتول ،