عن لطفه وعنايته ، إذا عاشوا بعض ألوان الضياع ، واندفعوا في أجواء الغفلة عنه وعن رسالاته ، وقد جاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد غياب طويل للرسل ، ليبيّن للنّاس ما جهلوه ، ويفصّل لهم إجمال ما عرفوه ، ويخطط لهم الطريق إلى الله من جديد على أساس من وحي الله ، ويبشرهم ثوابه في جنته ، وينذرهم عقابه في ناره ، لئلا يتعلل النّاس بالفراغ من البشير والنذير ، فيتمرّدون ويبررون كل انحراف ـ باسم الجهل والغفلة ـ فهذا هو البشير النذير ، فاستجيبوا له ، لأنّ الاستجابة له تمثل الاستجابة لله الّذي هو على كل شيء قدير.
(يا أَهْلَ الْكِتابِ) الّذين تملكون في الكتاب الّذي أنزله الله عليكم قاعدة معرفة الحجّة الّتي يحتجّ الله بها على عباده في إنزال الرسل ، مما يفرض عليكم تأمله بوحي من العقل الواعي المؤمن لا بوحي من العصبيّة العمياء الّتي تبادر إلى الإنكار من دون أساس ، (قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا) الّذي أرسلناه للنّاس كافة ـ وأنتم من بينهم ـ وهو محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم (يُبَيِّنُ لَكُمْ) يوضح لكم أسس العقيدة وامتدادات الشريعة ومناهج الفكر والعمل ، ممّا أنزل الله عليه من وحيه ، وحباه بعلمه ، واصطفاه لرسالته ، فكان النبيّ المعلّم المبيّن للحق كله ، (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) أي على انقطاع منهم ، فقد غاب الرسل عن الساحة مدّة طويلة بحيث كاد النّاس ينسون دين الله ورسالاته. وقد اختلف المفسرون في مقدار هذه المدّة ، فجاء عن قتادة قوله ـ على ما روي عنه : «كان بين عيسى ومحمّد خمسمائة سنة وستون ، وفي رواية أخرى عنه قال : وكانت الفترة بين عيسى ومحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ذكر لنا أنّها كانت ستمائة سنة أو ما شاء الله من ذلك ، وقال معمر ، قال الكلبي : خمسمائة سنة وأربعون سنة ، وعن ابن جريج : كانت الفترة خمسمائة سنة ، وعن الضحّاك : قال : كانت الفترة بين عيسى ومحمّد أربعمائة سنة وبعضا وثلاثين سنة» (١).
__________________
(١) م. س. ، ج : ٣ ، ص : ٤٥ ـ ٤٦.