مناسبة النزول
جاء في الدر المنثور ـ للسيوطي ـ بإسناده عن ابن عباس قال : «دعا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يهود إلى الإسلام فرغبهم فيه وحذرهم ، فأبوا عليه ، فقال لهم معاذ بن جبل ، وسعد بن عبادة ، وعقبة بن وهب : يا معشر يهود ، اتقوا الله ، فو الله إنّكم لتعلمون أنّه رسول الله ، لقد كنتم تذكرونه لنا قبل مبعثه وتصفونه لنا بصفته ، فقال رافع بن حريمة ووهب بن يهودا : ما قلنا لكم هذا ، وما أنزل الله من كتاب من بعد موسى ، ولا أرسل بشيرا ولا نذيرا بعده ، فأنزل الله : (يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ)» (١).
وقد نلاحظ على هذه الرّواية ، أنّ الآية ليست ظاهرة ـ بحسب سياقها ـ في أسلوب رد الفعل على ما قاله اليهود ، بل هي ظاهرة في التأكيد على إقامة الحجّة على النّاس بإرسال النبيّ محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ليكون بشيرا ونذيرا حتّى لا يقولوا ما جاءنا بشير ، فلا حجّة علينا في مسألة الإيمان والعمل ، في حين أن المسألة التي تثيرها الرواية تتعلق بمسألة ختم النبوّة بموسى عليهالسلام أو عدم ختمها به. والله العالم.
* * *
إلقاء الحجة على أهل الكتاب بمجيء البشير والنذير
ويأتي النداء من جديد إلى أهل الكتاب تذكيرا لهم بأنّ الرسالات لا تتجمّد عند حدود فترة معينة من الزمن ، وأنّ الرسل لا يغيبون عن ساحة الحياة ما دامت الحاجة إليهم ملحّة ، وأنّ الله ـ برحمته ـ لا يغفل عباده ولا يبعدهم
__________________
(١) الدر المنثور ، ج : ٣ ، ص : ٤٥.