وهذا ما نستوحيه في الواقع الذي يعيشه الأغنياء مما تحدث به القرآن الكريم عن المترفين الذين أترفهم الله في الحياة الدنيا ، فاستخدموا ذلك بعيدا عن رضوان الله وعن مصلحة الناس والحياة. وعن قارون الذي قال الله عنه (* إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً) [القصص : ٧٦ ـ ٧٨] ، فقد لاحظنا أن هذا الرجل الذي ملك كل هذا المال عاش الإحساس الذاتي المستغرق في عناصر قوته بأنه هو الذي استطاع تحصيله بخبرته دون أن يكون لله دخل في ذلك بحيث ترك المال تأثيره على سلامة تصوره للأشياء ، فلم يدرس موقعه الإنساني من ربه وقدرته عليه كقدرته على الذين سبقوه في التاريخ ممن هم أشد منه قوة وأكثر جمعا ، في الوقت الذي انطلق النص القرآني بلسان قومه في وظيفة المال في خط التوازن بين الدنيا والآخرة.
وقد ذكر صاحب مجمع البيان حديثا عن كلمة «قياما» لا بأس بالإشارة إليها : «قال أبو الحسن : في «قيام» ثلاث لغات : قيام وقيّم وقوام وهو الذي يقيمك ، قال لبيد:
أفتلك أم وحشيّة مستوعة |
|
خذلت وهادية الصّوار قوامها (١) |
قال أبو علي : ليس قول من قال إن القيّم جمع قيمة بشيء ، إنما القيّم بمعنى القيام ، وهو مصدر يدل عليه قوله : (دِيناً قِيَماً) [الأنعام : ١٦١] ،
__________________
(١) سبعت الوحشية : أكل السبع ولدها فهي مسبوعة. خذلت الظبية : تخلفت عن صواحبها وانفردت عن القطيع ، الصوار : قطيع البقر وهاديتها : متقدمتها.