الإيمانية التي توجه الإنسان إلى اعتبار هذه العلاقة مسئولية شرعية قانونية ، هدفها الحصول على رضا الله ؛ لئلا يخيّل للرجل أن موقعه داخل هذه العلاقة يبرّر له التصرف دون تحمل المسؤولية ، ليرجع إلى الإحساس بإنسانية العلاقة التي تجعل لأيّ من الطرفين حقا لا يملك الآخر أن يعتدي عليه ، سواء كان الحق مالا أو غيره ، فإذا تنازل عنه بطيب نفسه ، كان للآخر أن يتصرف فيه بما يشاء.
وقد عالجت هذه الآية موضوع المهر ، فأعطته الصفة التي لا ترهق إنسانية الإنسان في المرآة ، فلم تعتبرها ثمنا وعوضا ـ كما يخيل للبعض أن يراه كذلك ـ بل اعتبرته نحلة ، وهي العطية التي يمنحها الإنسان للآخر من دون مقابل ، لتكون رمزا للمحبة والمودة ؛ ولهذا لم يجعل له الإسلام الدور الكبير في التقييم ، خلافا للتقاليد الاجتماعية البالية التي تحاول أن تجعل كمية المهر مقياسا لقيمة المرأة ، تبعا لما تتصف به من مركز اجتماعيّ ، ولم يحاول التدخل في ذلك ، بل ترك أمر الإنفاق عليه للزوجين بالاستناد إلى أوضاعهما المالية والاجتماعية والعاطفية. فيمكن أن يكون المهر قنطارا ، كما عبرت بعض الآيات ، ويمكن أن يكون سورة من القرآن ، كما فعل الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في تزويجه لبعض أصحابه الفقراء (١) ؛ ولكنه لم يترك القضية على إطلاقها ، بل تدخّل في المسألة ليثير فيها الجانب الأخلاقي الذي يجد في كثرة المهر عملا لا يتناسب مع كرامة المرأة ، وذلك كما ورد به الحديث
__________________
(١) جاء في وسائل الشيعة : جاءت امرأة إلى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : زوّجني ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من لهذه؟ فقام رجل فقال : أنا يا رسول الله ، زوّجنيها. فقال : ما تعطيها؟ فقال : ما لي شيء؟ قال : لا. فأعادت ، فأعاد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الكلام ، فلم يقم أحد غير الرّجل ، ثم أعادت ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في المرة الثالثة : أتحسن من القرآن شيئا؟ قال : نعم ، قال : قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن ، فعلّمها إيّاه. الحر العاملي ، محمد بن الحسن ، وسائل الشيعة ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ـ لبنان ، م : ١٥ ، باب : ٢ ، ص : ٣ ـ ٤ ، رواية : ١.