يوم القيامة.
وقد حاول الفقهاء أن يتجاوزوا هذا الجو الذي يوحيه سياق الآية إلى أبعد من ذلك ، فاعتبروا الآية دليلا على إلغاء كل الالتزامات المفروضة على المسلّم للكافر ، أو الأوضاع القانونية التي تمثل لونا من ألوان السلطة للكافر على المسلم ... وتعدّى البعض ذلك إلى عدم جواز بيع المصحف للكافر ، لأن منع سلطة الإنسان الكافر على المسلّم يقتضي منع سلطته على القرآن بطريق أولى. وربما ناقش بعض الفقهاء في بعض ذلك ، ولا سيما بما يتعلق بالقرآن الذي أراد الله للناس من الكفار والمؤمنين أن يقرءوه أو يسمعوه لأنه النور الذي يضيء عقولهم بالحق ، فلا بد من العمل على تسهيل وصوله إليهم بأية وسيلة ليطلعوا عليه حتى مع وجود بعض السلبيات الناشئة من ذلك بما يتصل بطريقة احترامه ، فهو كتاب للهداية لا للتجميد في نطاق معين من شكليات الاحترام مما نترك تفصيله لأبحاث الفقه.
وقد نستوحي من ذلك ، الموقف السياسي والاجتماعي والاجتماعي والاقتصادي الذي ينبغي أن يتخذه المسلمون من سلطة الكافرين التي تحاول أن تحتويهم وتسيطر عليهم وتمنعهم من الوصول إلى أهدافهم الكبيرة في إقامة سلطة حكم الله على الأرض ، وتعمل على إذلالهم وتدمير روحهم المعنوية ، وتمزيق وحدتهم ، وإهدار ثروتهم ، ونهب مواردهم ، وتعطيل دورهم الفاعل في قيادة الحياة ، وخنق حريتهم ومنعها من الامتداد في خط الدعوة إلى الله والعمل في سبيله ؛ فإذا كان الله لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا ، فإن المقتضى العملي لهذه الآية هو أن يعمل المسلمون على عدم إعطاء الكفرة السبيل عليهم وعلى أرضهم وأموالهم. ومن هنا كان من الضروري لهم أن يقفوا في مواقع المواجهة الحادة ضد كل هذه الأعمال ، من أجل أن يعطّلوا الخطّة ويمنعوا عملية الاحتواء والإذلال.
* * *