فيوضات الرحمة الإلهية
إنه اللطف الإلهي الذي يفيض بالرحمة والعطف والحنان والرعاية ، في كل صغيرة وكبيرة من أمور المؤمنين ؛ فهو يتعهدهم دائما ببيان الوسائل التي يستطيعون من خلالها الانفتاح على الآفاق الواسعة للحياة ، في كل ما تحمله من عناصر الخير والصلاح ، ويلتقوا بالينابيع الصافية المتفجرة بالماء الذي ينساب في الأرض ، لينشر فيها الخصب والرخاء ؛ ويرتفعوا إلى القيم الروحية التي ترتفع بالإنسان عن الحدود الضيقة للمادة الجامدة ، إلى الأجواء الروحية العالية التي يحدّق فيها في امتداد السماء.
(يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) لينير لكم السبيل لأنكم لا تستطيعون معرفة الطريق الواضح المستقيم الذي يحفظ لكم خطواتكم من الضياع ويصونها من الانزلاق في منحدرات الهاوية ؛ بل الله هو الذي يهديكم ذلك ويخرجكم من الظلمات إلى النور. ففي كلماته الوحي الذي يفتح القلوب ، والضياء الذي يفتح العيون ، والهدى الذي يشق الطريق إلى حيث الانطلاق الكبير في رحاب الله. وذلك بأن يفصّل الله لكم برنامج الحياة الذي يتضمن الخلاص في معاشكم ومعدكم بما يبيّنه من أحكام دينكم في دنياكم ، باعتبار أنه وحده الذي يحقق السعادة للإنسان في دنياه وآخرته.
(وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ...) لأن الله يريد لكل أمة أن تكمل الطريق الذي بدأه الآخرون ؛ فلا تبقى الأقدام دائما متحركة في عملية تراجعية إلى بداية الطريق. فقد جعل الرسالات متتابعة في حياة الأمم ، ليكون كل رسول متمّما لما بدأه الرسول الذي قبله ، ولتكون كل أمة امتدادا للأمة التي قبلها ؛ ولهذا أراد الله سبحانه في كل كتاب جديد من كتبه أن يحدّث رسوله وأمته عن المناهج التي سارت عليها الأمم السابقة ، ليعتبروا